العنوان شرح حديث "اللهم لك الحمد أنت نور السماوات...
"
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 06/06/1426هـ
السؤال
كان النبي -- يدعو في الليل: "اللهم لك الحمد أنت رب السموات والأرض، لك الحمد أنت قيم السموات والأرض
ومن فيهن، لك الحمد أنت نور السموات ... أنت إلهي لا إله غيرك" أرجو شرح الحديث.
الجواب
السلام عليكم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:
الحديث المشار إليه في السؤال أخرجه البخاري (1120) ، ومسلم ( 769 )
من حديث ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ:
" اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ،
وَلَكَ الْحَمْدُ، لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ،
وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمَنْ فِيهِنَّ،
وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ،
وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ،
وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ وَمُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَقٌّ،
وَالسَّاعَةُ حَقٌّ.
اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ،
فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْت،ُ
أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَوْ لَا إِلَهَ غَيْرُكَ". شرح الحديث:
قول ابن عباس –ما-: "إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ":
أي إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل، وظاهر السياق أنه كان يقوله أول ما يقوم إلى الصلاة.
قوله : "اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ": معنى الحمد: الثناء على الله -تبارك وتعالى-
لما اتصف به من صفات الكمال والجلال والجمال،
ولنعمه وآلائه على عباده، فهو المستحق للحمد دون سواه
و "ال" في الحمد للاستغراق، أي جميع أصناف الحمد له سبحانه وتعالى .
قوله : "قَيِّمُ السَّمَوَاتِ":
من صفاته سبحانه القيام والقيِّم والقيُّوم،
ومعنى ذلك أن الله -سبحانه وتعالى- هو القائم بنفسه الدائم الذي لا يزول،
وهو قيمٌ لأهل السموات والأرض، القائم بتدبيرهم وأرزاقهم وتصريف أحوالهم،
المطلع على أعمالهم، وسوف يجازيهم ويحاسبهم،
قال تعالى: ( أفمن هو قائمٌ على كل نفسٍ بما كسبت) [آل عمران:39].
قوله : "أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ":
من صفات الله -تبارك وتعالى- النور، ومنه اشتق اسم النور الذي هو أحد الأسماء الحسنى،
وقد أضاف الله -سبحانه وتعالى- النور إلى نفسه إضافة الصفة إلى موصوفها
في قوله تعالى: (وأشرقت الأرض بنور ربها) [الزمر:69]،
ومن معاني قوله: "أنت نور السموات والأرض
"أنه هادي أهل السموات والأرض، وأنه منور السموات والأرض وخالق نورهما.
قوله : "أَنْتَ الْحَقُّ":
من أسمائه تبارك وتعالى: الحق، فهو الحق المبين في ذاته وصفاته لا شك ولا ريب في وجوده،
فهو واجب الوجود الذي لا تنبغي الألوهية والربوبية إلا له لا شريك له،
وما سواه من الآلهة والمعبودات باطل زائل.
قوله : "وَوَعْدُكَ الْحَقُّ":
أي وعدك ثابت لا يتخلف، وعرفه ونكر ما بعده لأن وعده مختص بالإنجاز
دون وعد غيره والتنكير في البواقي (لقاء – قول) للتعظيم، واللقاء
وما ذكر بعده داخل تحت الوعد، لكن الوعد مصدر وما ذكر بعده هو الموعود به،
ويحتمل أن يكون من الخاص بعد العام، كما أن ذكر القول بعد الوعد من العام بعد الخاص .
قوله : "وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ": فيه الإقرار بالبعث بعد الموت،
وهو عبارة عن مآل الخلق في الدار الآخرة بالنسبة إلى الجزاء على الأعمال.
قوله : "وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ": فيه إشارة إلى أنهما موجودتان.
قوله : "وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ": خصه بالذكر تعظيماً له.
قوله : "وَالسَّاعَةُ حَقٌّ":
أي يوم القيامة وأصل الساعة القطعة من الزمان، وإطلاق اسم الحق على ما ذكر من الأمور
معناه أنه لا بد من كونها، وأنها مما يجب أن يصدق به،
وتكرار لفظ حق للمبالغة في التأكيد.
قوله : "اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ": أي انقدت وخضعت،
"وَبِكَ آمَنْتُ": أي صدقت، "وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْت"ُ:
أي فوضت الأمر إليك، "وَإِلَيْكَ أَنَبْت":ُ
أي رجعت إليك في تدبير أمري، "وَبِكَ خَاصَمْتُ":
أي بما أعطيتني من البرهان وبما لقنتني من الحجة، "وَإِلَيْكَ حَاكَمْت"ُ:
أي كل من جحد الحق حاكمته إليك، وجعلتك الحكم بيننا لا من كانت الجاهلية تتحاكم إليه من كاهن ونحوه.
قوله : "فَاغْفِرْ لِي": قال ذلك مع كونه مغفوراً له إما على سبيل التواضع والهضم لنفسه وإجلالاً وتعظيماً لربه،
أو على سبيل التعليم لأمته لتقتدي به، والأولى أنه لمجموع ذلك.
قوله : "مَا قَدَّمْتُ": أي قبل هذا الوقت،
"وَمَا أَخَّرْتُ": عنه، "وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْت":ُ
أي أخفيت وأظهرت، أو ما حدثت به نفسي وما تحرك به لساني .
قوله : "أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ":
أي أن الله -سبحانه وتعالى- يقدِّم من شاء من عباده بتوفيقه،
ويؤخر من شاء بخذلانه، وينزل الأشياء منازلها ، يقدم من شاء من مخلوقاته ويؤخر.
وهذا حديث عظيم من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام، تضمن حمد الله
والثناء عليه بأسمائه وصفاته الحسنى الدالة على عظمته وجلاله وكماله وإحاطته بخلقه،
وفي هذا الدعاء إظهار العبودية لله،
والتأله وتفويض الأمور إليه ، والإقرار بذكر الإيمان بالأمور الغيبية التي هي أصول الإيمان
وأركانه مثل الإيمان بالله والنبيين واليوم الآخر والجنة والنار،
وتقديم الثناء على الله قبل طلب المغفرة.
فحري بالمسلم أن يتضرع إلى الله بهذا الدعاء الكريم اقتداء بالنبي . هذا والله أعلم.