أوصيكم
ونفسي بتقوى الله، ولزوم طاعته، فتلك
وصية الله للأولين والآخرين
ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم
وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله
ما في السماوات وما في الأرض وكان الله
غنياً حميداً [النساء:131].
أيها
المسلمون: ويقلب العقلاء أفئدتهم
وأبصارهم في ملكوت الله العظيم فيزيدهم
ذلك إيمانا بعظمة الخالق، ودقة الصانع:
إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل
والنهار والفلك التى تجرى في البحر بما
ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من
ماء فأحيا بها الأرض بعد موتها وبث فيها
من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر
بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون [البقرة:164].
ويتأمل
المختصون بعلوم البحار في عالم البحار،
وقاع المحيطات فيرون في اختلاف مياهها
ملوحة أو عذوبة، حرارة أو برودة وأنواعا
من الحيتان تختلف أشكالها، وطعومها،
وأحجامها، وخلقا آخر، وجواهر، ودررا لا
يحيط بها إلا من خلق وهو اللطيف الخبير.
فمن
أقام بين البحرين حاجزا، وجعل بينهما
برزخا وحجرا محجورا؟ ومن أزجى الفلك
وسيرها على ظهره وأجرى الرياح وسخرها
ليبتغي الناس من فضله؟ أوليس الله رب
العالمين …
فبأي آلاء ربكما تكذبان؟
ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام
إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره
إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور
أو يوبقهن بما كسبوا ويعفو عن كثير [الشورى:32-34].
ويقرأ
العالمون بالفلك ويرى غيرهم في عالم
السماء كيف رفع الله السبع الشداد بلا
عمد، وجعل فيها أنواعا من المخلوقات لا
يعلمها إلا الله، وأودع فيها من الغيوب
والأرزاق ما اختص الله بعلمه، وينزل
للناس في حينه بقدر، ويبصر الناس، كل
الناس، كيف زين الله السماء الدنيا
بمصابيح يهتدي بها المسافرون، ويرجم بها
الشياطين، وجعل للنجوم مواقع، وللشمس
والقمر منازل بها يستدل الحاسبون، ويعرف
الناس الأزمان والشهور .. ترى من أجراها
على الدوام وسخرها، وأغطش ليلها وأخرج
ضحاها؟ إنه الله الولي الحميد.
قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل
سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله
يأتيكم بضياء أفلا تسمعون
قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار
سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله
يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون
ومن رحمته جعل لكم اليل والنهار لتسكنوا
فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون [القصص:71-73].
ويح
أولئك الذين لا يشكرون، وما أكثر الذين
هم بنعم ربهم غافلون
الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق
الرحمن من تفاوت فارجع البصر فهل ترى من
فطور ثم
ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر
خاسئاً وهو حسير [الملك:3-5].
أيها
المسلمون: ويبحث علماء الجغرافيا أو
الجيولوجيا في طبقات الأرض العلوية أو
السفلية، فيرون مختلف الجبال وأنواع
الصخور، فهذه جدد بيض وتلك حمر مختلف
ألوانها، وثالثة غرابيب سود، ويلفت
نظرهم قمم الجبال العالية وبطون الأودية
السحيقة، وبين هذا وذاك تنبت أنواع من
النباتات وتنتشر أنواع من الحيوانات،
وإذا اعتدل الهواء في المناطق المتوسطة
باتت قمم الجبال العالية السوداء بيضاء
من الثلوج النازلة، وفى حين تنعدم الحياة
في المناطق الاستوائية لشدة الحرارة ....
ترى من قدر لهذه وتلك قدرها .. وهل في
إمكان البشر أن ينقلوا جو هذه إلى تلك أو
العكس ... أو يبعثوا الحياة في الأرض
الميتة..؟!
كلا
بل هو الله العلي القدير، ويدرك العالمون
أكثر من غيرهم أن جوف الأرض يحتفظ بأنواع
من المياه الجوفية تختلف في مخزونها، وفى
مذاقها، وقربها أو بعدها، فمن يمسك
البنيان إذ يبنى على ظهر الماء؟ ومن يمنع
الأرض أن تتحول إلى طوفان بطغيان الماء
في أعلاها وأسفلها إلا الله الذي أنزل من
السماء ماء بقدر فأسكنه في الأرض، وهو
القادر على أن يذهب به متى يشاء.
وعلى
سطح البسيطة تنتشر أنواع من البشر، تختلف
في ألوانها وألسنتها، وتختلف في عوائدها
وطرائق حياتها، فمن بثها وبعث الحياة
فيها وألهم كل نفس فجورها وتقواها؟ إنه
الله يعرفه ويخشاه العالمون، ولا يكفر به
إلا الظالمون المعاندون.
ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء
فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها ومن
الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها
وغرابيب سود
ومن الناس والدواب والأنعام مختلف
ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده
العلماء إن الله عزيز غفور [فاطر:27-28].
إخوة
الإيمان: ودلائل الإيمان تبدو للإنسان
نفسه حتى وإن كان أميا، وهو يتأمل في
نفسه، ويبصر عظمة الخلق فيها، كيف خلقها
الله ابتداء من ماء مهين، ثم كانت بهذا
الشكل القويم، وأدوع فيها من أسرار الخلق
ما يعجز الطب عن كنهه، ويبقى الأطباء في
حيرة منه
ويسألونك
عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم
من العلم إلا قليلاً
[الإسراء:85].
وهذا
نموذج للإعجاز والتحدي.
ترى
من يرعى دقات قلب المرء في حال اليقظة
والنوم؟ وأقرب الناس إليه لا يملك من
أمره شيئا، بل وهل يملك الإنسان نفسه
التصرف في حركة التنفس؟ فيتنفس متى يشاء،
ويوقف أنفاسه إذا لم يشاء، ألم يرى
الإنسان كيف يدخل الطعام مدخلا ثم يخرجه
الله مخرجا آخر؟ أله في ذلك قدرة وشأن؟
وما حيلته لو اختنق النفس أو احتبس
البول؟ كم في جسم الإنسان من جهاز وطاقة؟
وكم فيه من أعضاء وخلية؟ أيملك التصرف
بشيء منها؟ وصدق الله وهو أصدق القائلين
وفي أنفسكم أفلا تبصرون وهو القائل
لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم [التين:4].
إن
القرآن يا عباد الله كتاب مفتوح للتأمل
في ذات الإنسان وفي ملكوت الله، وخلقه
الآخر، وكم تلفت آيات القرآن النظر
للتأمل والعبرة، وتدعو للتفكر، وتشنع
على العقول الخاملة، والقلوب الميتة،
وكم في القرآن من مثل ودعوة ..... وكم من مثل
قوله تعالى
أفلا
تفكرون ،
أفلا تذكرون ،
أفلا تعقلون ،
أفلا تؤمنون ...
فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب
التي في الصدور [الحج:46].
فهل
يزداد المسلم إيمانا حين يتلو آيات
القرآن؟ وهل يتعاظم الإيمان في قلبه حين
يطلق لفكره وقلبه التأمل في مخلوقات الله
العظام؟
إن
العلم يدعو إلى الإيمان، وإن دلائل
القرآن تؤكد نبوة محمد عليه الصلاة
والسلام، فمن أين لمحمد الأمي أن يخبر عن
حركات الأمواج في الظلمات في البحار
اللجية، ويقول للناس:
أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه
موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا
أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله
له نوراً فما له من نور [النور:40].
ترى
أركب البحر محمد صلى الله عليه وسلم، أم
توفر له في حينه ما توفر في عالم اليوم من
الغواصات والآلات؟ كلا إن هو
إلا وحي يوحى [النجم:4].
بل
ومن أين لمحمد صلى الله عليه وسلم الذي
عاش في بيئة يقل فيها العلم، وينتشر فيها
الجهل أن يخبر عن أطوار خلق الجنين في بطن
أمه، كما قال تعالى :
يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق
في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا
إله إلا هو فانى تصرفون [الزمر:6].
وإذا
لم يعلم محمد صلى الله عليه وسلم بهذه
الظلمات قبل تعليم الله إياه، أفتراه
يعلم أو يقول من ذات نفسه عن خلق الإنسان
ثم جعلناه نطفة في قرار مكين
ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة
فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام
لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله
أحسن الخالقين
[المؤمنون:12-14].
ترى
هل مارس محمد صلى الله عليه وسلم الطب أم
كان على صلة بالأطباء، وهل كان الأطباء
حينها يعلمون ذلك؟ كلا، بل هو كما قال
تعالى
وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه
بيمينك إذاً لارتاب المبطلون
بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا
العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون [العنكبوت:48-49].
نفعني
الله وإياكم بهدي الكتاب وسنة الحبيب
المصطفى صلى الله عليه وسلم