ثبت في الكتاب والسنة بعض الأسماء الصريحة للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقد سمي في
القرآن الكريم بـ : " محمد "، و " أحمد "، وجاء في أحاديث صحيحة أنه له أسماء عدة ،
هي: ( إِنَّ لِي أَسْمَاءً : أَنَا مُحَمَّدٌ ، وَأَنَا أَحْمَدُ ، وَأَنَا
الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي
يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ ، وَأَنَا الْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ
أَحَدٌ )
البخاري (4896) ومسلم (2354)
وعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَمِّي لَنَا نَفْسَهُ أَسْمَاءً فَقَالَ : أَنَا مُحَمَّدٌ ،
وَأَحْمَدُ ، وَالْمُقَفِّي ، وَالْحَاشِرُ ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ ، وَنَبِيُّ
الرَّحْمَةِ )
رواه مسلم (2355) .
وفي بعض الأحاديث ما ظاهره تحديد عدد الأسماء ، ففي صحيح البخاري (3532) عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لِي خَمْسَةُ
أَسْمَاءٍ : أَنَا مُحَمَّدٌ ، وَأَحْمَدُ ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو
اللَّهُ بِي الْكُفْرَ ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى
قَدَمِي ، وَأَنَا الْعَاقِبُ ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : وَالَّذِي يَظْهَر أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ لِي
خَمْسَة أَسْمَاء أَخْتَصّ بِهَا ، لَمْ يُسَمَّ بِهَا أَحَد قَبْلِي , أَوْ
مُعَظَّمَة ، أَوْ مَشْهُورَة فِي الْأُمَم الْمَاضِيَة , لَا أَنَّهُ أَرَادَ
الْحَصْر فِيهَا .
وَقِيلَ : الْحِكْمَة فِي الِاقْتِصَار عَلَى الْخَمْسَة الْمَذْكُورَة فِي هَذَا
الْحَدِيث أَنَّهَا أَشْهَر مِنْ غَيْرهَا مَوْجُودَة فِي الْكُتُب الْقَدِيمَة
وَبَيْن الْأُمَم السَّالِفَة . انتهى . مختصرا .
ثانيا :
صنف العلماء في جمع أسماء النبي صلى الله عليه وسلم مصنفات كثيرة ، تزيد على
الأربعة عشر مصنفا ، وخصص المصنفون في السير والشمائل أبوابا لبيان أسمائه صلى الله
عليه وسلم ، كما فعل القاضي عياض في " الشفا بتعريف حقوق المصطفى " (1/228) في "
فصل في أسمائه صلى الله عليه وسلم وما تضمنته من فضيلته " انتهى. وأفرد لها الحافظ
ابن عساكر بابا في " تاريخ دمشق "
قال العلامة بكر أبو زيد رحمه الله :
" أُلِّف في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم عدة مؤلفات ، وفي " كشف الظنون " و
"ذيليه " تسمية أربعة عشر كتاباً ، كما في " معجم الموضوعات المطروقة في التأليف
الإسلامي " للشيخ عبد الله بن محمد الحبشي اليماني (ص/ 435 – 436) وهي : لابن دحية
، والقرطبي ، والرصاع ، والسخاوي ، والسيوطي ، وابن فارس . وغيرهم .
وتبحث مستفيضة في كتب السير ، والخصائص النبوية ، والشروح الحديثية ، كما في "
عارضة الأحوذي " (10/281)، وقد طبع منها : " الرياض الأنيقة في شرح أسماء خير
الخليقة " للسيوطي . " انتهى.
" معجم المناهي اللفظية " (ص/361)
ثالثا :
وقد اختلف العلماء في أسماء كثيرة ، هل تصح نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو
لا ، فأدى ذلك إلى اختلافهم في تعداد هذه الأسماء .
وقد كان من أهم أسباب الخلاف أن بعض العلماء رأى كل وصف وُصف به النبي صلى الله
عليه وسلم في القرآن الكريم من أسمائه ، فعد من أسمائه مثلا : الشاهد ، المبشر ،
النذير ، الداعي ، السراج المنير ، وذلك لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا . وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ
بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ) الأحزاب/45-46.
في حين قال آخرون من أهل العلم : إن هذه أوصاف وليست أسماء أعلام .
يقول الإمام النووي رحمه الله :
" بعض هذه المذكورات صفات ، فإطلاقهم الأسماء عليها مجاز " انتهى.
" تهذيب الأسماء واللغات " (1/49)
ويقول السيوطي رحمه الله :
" وأكثرها صفات " انتهى.
" تنوير الحوالك " (1/727)
يقول العلامة بكر أبو زيد رحمه الله :
" جعلها بعضهم كعدد أسماء الله الحسنى تسعة وتسعين اسماً ، وجعل منها نحو سبعين
اسماً من أسماء الله تعالى .
وعد منها الجزولي في " دلائل الخيرات " مائتي اسمٍ .
وأوصلها ابن دحية في كتابه " المستوفى في أسماء المصطفى " نحو ثلاثمائة اسم .
وبلغ بها بعض الصوفية ألف اسم فقال : لله ألف اسم ، ولرسوله صلى الله عليه وسلم ألف
اسم " انتهى.
" معجم المناهي اللفظية " (ص/361)
فيقال : في هذه الأعداد كثير من المبالغات ، والصحيح أن أسماءه صلى الله عليه وسلم
أقل من ذلك بكثير ، ولا يجوز اعتبار كل وصف ثبت له في الكتاب والسنة من أسمائه
الأعلام ، فضلا عن أن أسماءه توقيفية ، لا يجوز الزيادة عليها بما لم يرد في الكتاب
والسنة الصحيحة.
يقول العلامة بكر أبو زيد رحمه الله :
" الذي له أصل في النصوص إما اسم ، وهو القليل ، أو وصف ، وهو أكثر ، وما سوى ذلك
فلا أصل له ، فلا يطلق على النبي صلى الله عليه وسلم حماية من الإفراط والغلو ،
ويشتد النهي إذا كانت هذه الأسماء والصفات التي لا أصل لها فيها غلو ، وإطراء ،
وهذا القسم هو الذي يعنينا ذكره في هذا " المعجم " للتحذير من إطلاق ما لم يرد عن
الله ولا رسوله ، وهي كثيرة جداً ، ومظنتها كتب الطُّرقية والأوراد والأذكار
البدعية ، مثل : " دلائل الخيرات " للجزولي ، ومنها : أحيد . وحيد . منح . مدعو .
غوث . غياث . مقيل العثرات . صفوح عن الزلات . خازن علم الله . بحر أنوارك . معدن
أسرارك . مؤتي الرحمة . نور الأنوار . السبب في كل موجود . حاء الرحمة . ميم الملك
. دال الدوام . قطب الجلالة . السر الجامع . الحجاب الأعظم . آية الله .
وقد كانت هذه الأسماء يطبع منها ( 99 ) اسماً في الغلاف الأخير للمصحف ، ويثبت في
غلافه الأول ( 99 ) اسماً من أسماء الله تعالى ، وذلك في الطبعة الهندية ، ولشيخنا
الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : فضل في التنبيه على تجريد القرآن منها ، فجرد
منها ، جزاه الله خيراً . وهي أيضاً مكتوبة على الحائط القبلي للمسجد النبوي الشريف
، وفَّق الله من شاء من عباده لتجريد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم مما لم يرد عنه
والله المستعان .
وبعد هذا وقفت على كلام في غاية النفاسة ، ورد فيه الخاطر على الخاطر - فلله الحمد
وحده - وذلك للعلامة اللغوي ابن الطيب الفاسي في " شرح كفاية المتحفظ " لابن
الأجدابي فقال ص/ 51 ما نصه :
ثم - أي مؤلف كفاية المتحفظ - وصفه - أي وصف النبي صلى الله عليه وسلم - بما وصفه
الله تعالى به في القرآن العظيم من كونه خاتم النبيين سيْراً على جادة الأدب ؛ لأن
وصفه بما وصفه الله به - مع ما فيه من المتابعة التي لا يرضى صلى الله عليه وسلم
بسواها - فيه اعتراف بالعجز عن ابتداع وصف من الواصف ، يبلغ به حقيقة مدحه - عليه
الصلاة والسلام - ، ولذا تجد الأكابر يقتصرون في ذكره - عليه السلام - على ما وردت
به الشريعة الطاهرة كتاباً وسنة ، دون اختراع عبارات من عندهم في الغالب " انتهى
باختصار.
" معجم المناهي اللفظية " (ص/362-363)