شرع
الله تعالى النكاح ، وجعله من سنن المرسلين ، وذلك لما يترتب عليه من المصالح
العظيمة ، كتكثير الأمة ، وخروج العلماء والمجاهدين والصالحين والمتصدقين ... إلخ ،
وتقوية أواصر الروابط والمحبة بين المسلمين بالنسب والمصاهرة ، مع ما فيه من السكن
والمودة والرحمة التي تكون بين الزوجين .
ولم
تأت آية أو حديث صحيح في المنع من زواج الأقارب .
بل
قد جاءت الأدلة الشرعية بخلاف هذا ، قال الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا
مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ
وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي
هَاجَرْنَ مَعَكَ ) الآية ... الأحزاب /50
وقد
تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش رضي الله عنها ، وهي ابنة عمته ،
وزَوَّج ابنته فاطمة من ابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، مما يدل على أنه
لا حرج من زواج الأقارب .
وعلى هذا ، فمنع زواج الأقارب ، أو القول بأنه سبب لانتشار الأمراض أو وجود جيل
مشوه أو مريض ، كلام غير صحيح .
نعم
، قد يوجد في زواج الأقارب ـ أو غيرهم ـ ما يسبب شيئاً من ذلك ، ولكنه ليس أمراً
غالباً، بل يبقى في حدود القليل أو النادر .
وفي
هذا يقول د. أحمد شوقي إبراهيم استشاري الأمراض الباطنية والقلب، ورئيس لجنة
الإعجاز العلمي بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
"
إذا نظر أي عالم نظرة متأنية في أبعاد هذا الموضوع لوجد أن القول " بأن زواج
الأقارب يعطي الفرصة لزيادة الأمراض الوراثية في الذرية " ليس قولا صحيحا في كل
الأحوال . قد يكون صحيحا في حالات معينة ، ولكنه ليس صحيحا في كل الحالات ،
وبالتالي لا ينبغي أن يكون قانونا عاما أو قاعدة عامة " .
إلى
أن قال :
"
وهكذا نجد في النهاية حتى في الأمراض المحكومة بجينات متنحية لا تفضيل لزواج
الأقارب على زواج الأباعد ، ولا لزواج الأباعد على زواج الأقارب .
ولو
كان في زواج الأقارب ضرر أكيد ما أحله الله تعالى لرسوله ، وأشار إليه صراحة في
الزواج من بنات عمه وبنات عماته وبنات خاله وبنات خالاته " انتهى .
ولكن إذا ثبت شيء من ذلك بالتحاليل الطبية أو الكشوفات والأشعات ، أو بمعرفة
الجينات الوراثية وطبيعة المرض ونحو ذلك ، وأوصى الأطباء بالمنع من الزواج من
القريبة في صورة مخصوصة ، وليست قاعدة عامة – فلا حرج في ترك نكاح هذه المرأة
القريبة بعينها .
أما
أن يتخذ ذلك قاعدة عامة ، ينهى بها عن كل نكاح الأقارب ، خشية الأمراض الوراثية
المتوهمة ، فهذا تصرف غير صحيح .
وقد
سئل الشيخ صالح بن حميد حفظه الله :
ما
رأيكم فيمن يرى منع زواج الأقارب ، ويرى أن الزواج بالأقارب يسبب أمراضاً عديدة
تصيب الجيل الجديد ، منها التخلف العقلي ، وهل يعرض الرجل والمرأة اللذان يريدان
الزواج نفسيهما على الطبيب ليحدد ما إذا كان يمكن الزواج أو لا ؟
فأجاب :
"
لا شك أن الأصل هو الجواز والإباحة ، بل في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أسوة
وأعظم بها من أسوة ! حينما زوج ابنته علياً رضي الله عنهما وعن نسلهما ، فهي بنت
ابن عمه وهم أقارب ، ولا شك طبعاً في الجواز ولا أحد يقول إنه غير جائز ، لكن
القضايا الطبية أو المعينة وهذه تبدو لي قضايا عينية ، أما أن القاعدة كلها : منع
زواج الأقارب فهذا ليس جائزاً ، والفقهاء لهم كلمة قريبة من هذه ، فهم يقولون :
الزواج من القريبة أصبر ، ومن البعيدة أنجب . هكذا يقولون : الزواج من القريبة أصبر
؛ لأنها تصبر عادة وتتحمل كثيراً ، والمحافظة على الرحم والمحافظة على القرابة
تجعلها تتحمل كثيراً ، ومن الغريبة أنجب ، بمعنى أن الولد يكون أكثر نجابة .
وأيضاً : ابن عمر أمر بالإغراب ، أن يُغرب بمعنى يتزوج من البعيدة .
فعلى كل حال ، لا شك أن الأصل هو الجواز ، وأما إذا كانت هناك قضية خاصة ، على معنى
أنه إذا كان هناك فعلاً مرض معين أو حالة معينة يُخشى منها ، كما لو كان في الأسرة
مرض معين ، مثلاً مرض وراثي : فهذا شيء آخر .
ولا
شك أن العلم الحديث توصل إلى ما لم يتوصل إليه الأقدمون ، والأشياء المدركة بحس أو
المدركة بشيء بشرط أن تكون فعلاً مقاييس معينة ليست تخمينية ، فهذه لا مانع من
الأخذ بها