صل على الهادى
في بداية الجواب نذكر لك وصية مهمة ، وصى بها شيخ الإسلام ابن تيمية
تلميذه ابن القيم ، كما في مفتاح دار السعادة ( 1/140) ، قال ابن
القيم رحمه الله :
وقال لي شيخ الإسلام رضى الله عنه - وقد جعلت أورد عليه إيرادا بعد إيراد - :
" لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها ، فلا ينضح إلا
بها ، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ، ولا
تستقر فيها ، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته ، وإلا فإذا أشربت قلبك كل
شبهة تمر عليها صار مقرا للشبهات " أو كما قال .
فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك ". انتهى كلامه .
واعلم وفقك الله أن المقصود من إرسال الرسل هو دلالة الناس لعبادة الله سبحانه وتعالى ، ولكي يقيموا الحجة على عباده ، ولم يُكَلّف
أنبياء الله أن يدخلوا الإيمان في قلوب الناس ، قال تعالى : ( إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) الرعد / 7 ، وقال
تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) صّ / 65 ، وقال تعالى
إِنَّ
هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً ) المزمل / 19 ، وقال تعالى : ( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ
فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) الكهف / 29 .
وفي صحيح مسلم رحمه الله تعالى ( 2865) عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ :
أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا
عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا – ومما قاله - : وَإِنِّي خَلَقْتُ
عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ
فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ
لَهُمْ
وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا
وَإِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ
وَعَجَمَهُمْ
إِلا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَالَ إِنَّمَا بَعَثْتُكَ
لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ . قال الله سبحانه وتعالى لنبيه : (
لَعَلَّكَ بَاخِعٌ
نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) الشعراء / 3 أي مهلك نفسك بالحزن
على عدم إيمانهم .
وقال تعالى لنبيه : ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ
كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا
مُؤْمِنِينَ ) يونس / 99 ، وقال تعالى : ( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ
حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ) يوسف / 103
وقد قدر الله سبحانه وتعالى أن يجعل من بني آدم من هو مؤمن ، ومن هو كافر
قال تعالى : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ
مُؤْمِنٌ
وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) التغابن / 2 .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ : يَا آدَمُ . يَقُولُ : لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْك .
فَيُنَادَى بِصَوْتٍ : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ
ذُرِّيَّتِكَ
بَعْثًا إِلَى النَّارِ . قَال : يَا رَبِّ وَمَا بَعْثُ النَّارِ . قَالَ :
مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ ، فَشَقَّ
ذَلِكَ
عَلَى النَّاسِ حَتَّى تَغَيَّرَتْ وُجُوهُهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ تِسْعَ مِائَةٍ
وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ ، وَمِنْكُمْ وَاحِدٌ ، ثُمَّ أَنْتُمْ فِي
النَّاسِ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جَنْبِ الثَّوْرِ الأَبْيَضِ أَوْ
كَالشَّعْرَةِ
الْبَيْضَاءِ فِي جَنْبِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ
تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَبَّرْنَا ثُمَّ قَالَ ثُلُثَ
أَهْلِ
الْجَنَّةِ فَكَبَّرْنَا ثُمَّ قَالَ شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ
فَكَبَّرْنَا . أخرجه البخاري ( 4741) ، ومسلم ( 222) .
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الإسلام بدأ غريبا ، وسيعود
غريبا كما بدأ ، كما رواه مسلم في صحيحه برقم (145) عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى
لِلْغُرَبَاءِ .
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عمّن قبله من الأنبياء ، وأن أتباعهم
قليل ، فقال كما في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه برقم ( 5705)
عن ابْن عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ فَجَعَلَ النَّبِيُّ وَالنَّبِيَّانِ
يَمُرُّونَ
مَعَهُمْ الرَّهْطُ وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ حَتَّى رُفِعَ لِي
سَوَادٌ عَظِيمٌ قُلْتُ مَا هَذَا أُمَّتِي هَذِهِ قِيلَ بَلْ هَذَا مُوسَى
وَقَوْمُهُ قِيلَ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ فَإِذَا سَوَادٌ يَمْلأُ الأُفُقَ
ثُمَّ قِيلَ لِي انْظُرْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا فِي آفَاقِ السَّمَاءِ
فَإِذَا
سَوَادٌ قَدْ مَلأَ الأُفُقَ قِيلَ هَذِهِ أُمَّتُكَ وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ
مِنْ هَؤُلاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ .