لقاءٌ بلا موعد ح4 ــ بقلم الكاتب رجب الجوابرة

لقاءٌ بلا موعد ح4 ــ بقلم الكاتب رجب الجوابرة
ــــــــــــــــــــــــــــ
وكان هذا البيت عبارةً عن وردة جميلة في صحراء قاحلة .. يبهر العين لجمال منظرهِ وحلاوة بنائهِ الذي يتكون من الحجر الأبيض النظيف ...
وهنا لابد أن يجد من يقوم على شؤون هذا البيت .. فأحضر عدداً من الخدم والطباخين ... الذين يضفون حالةً من الحيوية والنشاط .. وأصبح البيت حالةً نادرةً في قريتهِ .. التي تبعد بضعة كيلو مترات إلى الشرق من مدينة يافا الساحلية ... ويسكنها بضعُ مئاتٍ من الفلاحين .. ومربي المواشي .
قام أيضاً بإنشاء حديقةٍ حول المنزل وزراعتها... بأحواضٍ من الزهور ذات الروائح العطرية .. وأحاطها بأنواعٍ شتى من أشجار الزينة .. تضفي عليه روعةً وجمالاً .. بالإضافة إلى زراعة بعض أشجار الليمون واللوزيات ودوالي العنب ...
كذلك أنشأ على بعد خمسمائة متر .. حظائر للماشية .. وبعض الخيول العربية الأصيلة ...
ترى صفية كل هذا التطور والتحسن في وضع ابنها المادي والاجتماعي وهي تحمد الله على نعمتهِ .. فهدأ بالها واطمأن قلبها وارتاحت نفسها .. تدعو لابنها مزيداً من التطور والنجاح .. شكرت اللهَ على أن ابنها أصبح رجلاً يُعتمدُ عليهِ .. ويعتمدُ على نفسهِ ...
بقيَ شيءٌ واحدٌ في نفسها .. هو أن تزوجهُ من امرأةٍ صالحةٍ ترعى شؤونهُ وتعتني بهِ وببيتهِ .. حتى يصبحَ كاملاً من جميع النواحي .. سيما وأنها بدأت تشعر بقرب نهايتها وانتقالها إلى جوار ربها .. حيث بدأت أمراض الشيخوخة تغزو جسدها ...
تعودت صفية أن تجلس مع ابنها عبد الحميد .. في صباح كل يوم قبل خروجهَ لمزاولة عملهِ في الحقول والمزارع .. في البلكونة المطلةِ على حديقة المنزل .. ليتمتعا بروائحها العطرية ومنظرها الخلاب .. ويتجاذبان أطراف الحديث مع احتساء القهوة الصباحية .. ويطلع والدتهُ على كلِّ شيءٍ يوماً بيوم .. وجميع خططهِ المستقبلية ... وهي تتمنى لهُ الاستمرار في النجاح الباهر ...
الأم في نفسها شيءٌ تريدُ أن تفضي بهِ لعبد الحميد . يلاحظ ذلكَ ويسأل :
ــ أرى يا أمي أنكِ تريدين قول شيء ..؟ خيراً إن شاء الله ..؟
ترد الأم بابتسامتها المعهودة .. والتي تتضمن حنان الأم الذي لايضاهيهِ أي حنانٍ في الدنيا :
ــ هو ذاك يا بني ...!
اشتد انتباههُ إليها وقال :
ــ ماذا هناكَ يا أمي طمئنيني ..؟
قالت بكل حنان :
ــ عبد الحميد يا ولدي ...! أنت الآن كبرت ..! ووهبك اللهُ من نعمهِ الشيء الكثير ...! أما آن لكَ أن تبحث عن بنت الحلال ...؟ كان في نبرة صوتها شيءٌ من الحزم والجد ...
قال محاولا إقناع أمهِ أن تنسى هذه الأفكار :
ــ هل تعتقدين يا أمي أن هذا الوقتُ مناسباً ...؟
قالت وكلها تصميم :
ــ وما هو الوقت المناسب برأيك ...؟ أنت الآن مكتمل من جميع النواحي .. ولا ينقصك شيء ...!
ضحكَ عبد الحميد ضحكةً تنم عن موافقتهِ على رأيها وقال :
ــ حسنٌ ... ! وهل لديكِ عروس ..؟
انفرجت أساريرها وأحست أنهُ يوافقها على رأيها وقالت :
ــ اترك الأمر لي ...! وسأتدبرهُ بنفسي ..! وإن شاء الله يعجبكَ اختياري ..!
نهض مستئذناً والدتهُ وقال :
ــ لكِ ذلكَ يا أمي ...! يا أحلى أم ...! افعلي ما ترينهُ مناسباً ...! إلى اللقاء ..!
نزل إلى حيث جوادهِ وامتطاهُ متوجهاً إلى مزارعهِ التي تبعد بضعة كيلومترات شمال القرية ... تلك القرية الجميلة التي تقعُ بين أحضان الطبيعة تحيطها بيارات البرتقال وأنواعٌ شتى من الحمضيات .. التي كانت تشتهرُ بها تلك المنطقة ... أقيمت بيونها على مساحةٍ واسعةٍ من الأرض متناثرة هنا وهناك وبناؤها على الطراز القديم من الطين والحجارة ..
تصحو في الصباح لتتسرب إلى أذنيكَ سمفونية الطبيعة من تغريد الطيور .. تمتزجُ معها أصوات الحيوانات الأليفة .. كالبقر والغنم ونباح الكلاب .. كل شيءٍ طبيعي الهواء الطلق وروائح أزهار البرتقال والليمون .. تتمتع بجوٍ ريفيٍ مألوف لا زيف فيه ...

***********
الشعب الفلسطيني كباقي شعوب الأرض .. لهُ عاداتهُ وتقاليدهُ العريقة في أمور الزواج .. في البداية توكل المهمة للنساء .. فهنَّ اللواتي يمهدن الطريق أمام تقارب العائلتين .. وبعدها يقوم الرجال باستيفاء المهمة ...
صفية أم عبد الحميد معروفةٌ لجميع أهل القرية الذين يكنون لها كل الاحترام والتقدير .. لما قامت بهِ من صبرٍ ووقوفٍ صلبٍ أمام من كانوا يطمعون فيها وفي أملاكها التي ورثتها هيَ وابنها من زوجها محمود الريان وكذلكَ هي أيضاً تعرف القرية بأكملها شيبها وشبابها بنينها وبناتها ...
أطالت التفكير في البحث عن فتاةٍ تناسب ابنها عبد الحميد وتليق بمركزهِ .. حتى اهتدت إلى تلك الفتاة التي تعرفها من بعيد .. هيَ جميلة جداً يتيمة الأبوين .. تعيش في كنف أخيها لأبيها ومن أمٍ غير أمهِ ...
لا بدَّ من زيارة إلى البيت الذي تعيش فيهِ فريال للتعرف إليها عن قرب وتبحث الأمر مع زوجة أخيها .. لمعرفة ما إذا كانت مطلوبة أو مخطوبة .. وإذا ما كان هناكَ عدم ممانعة في خطبتها لابنها ...
توجهت صفية قاصدةً بيت عامر الفيومي الأخ لفريال وولي أمرها .. وما أن طرقت الباب عدة طرقات .. حتى أسرعت هند زوجة عامر لفتح الباب ... وعندما رأت صفية .. أصابها نوعٌ من الاستغراب والدهشة ...
يتبع ـــــــــــــــــــ إلى اللقاء في الحلقة القادمة
مع تحيات الكاتب رجب الجوابرة

أشكركِ يا صديقتي عزة على مرورك الرائع
وكلماتكِ المشجعة .. لكِ مني كل تقدير وكل
احترام وأجمل تحياتي ...