لقاءٌ بلا موعد ح10 ــ بقلم الكاتب رجب الجوابرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عاد عبد الحميد في المساء .. وجد فريال مقطبة الجبين وفي حالة عبوس .. سألها :
ــ ماذا حدث ..؟ أراكِ غير طبيعية ..؟
انفلتت بالبكاء المصطنع وتقول :
ــ أمك ....!!!!
يسأل باستغراب :
ــ ما بالُ أمي ...؟ هل حدث شيء...؟
تستمر بالتصنع بالبكاء وتقول :
ــ أمكَ يا عزيزي ...!! تريدني أن لا أتدخل في عمل الخدم ...!!! تريد أن تحط من مقامي عندهم ..!
عبد الحميد يواسيها ويقلل من أهمية الموضوع .. ثم يحتضنها ويقول :
ــ لا عليكِ يا حبيبتي ..! الأمرُ بسيط ..! اعتقدتُ أن شيئاً مهماً قد حدث ..!
تعالي اتركي كل شيء وراء ظهرك ...! ولا تهتمي ... ! دعينا نعيش حياتنا الهانئة الحلوة ...!
لم تقف الأمور عند هذا الحد .. ازداد تعاملها مع السيدة الوالدة جفاءً وسوءاً وقسوةً ... تسلط لسانها عليها بعباراتٍ لا تليقُ بها .. هي التي صبرت وقاست المر في تنشئة ابنها .. حتى وصل إلى هذهِ الدرجة من الحالة الاجتماعية المحسود عليها من قبل أهل القرية ..
تحلت صفية بالصبر والحكمة على هذهِ المعاملة السيئة من زوجة ابنها الوحيد .. لم تفكر في يومٍ من الأيام أن تشكو معاملتها لهُ .. لا تريد أن تعكر مجرى حياتهِ معها .. لكن الذي حدث هو العكس ... فريال هي التي كانت تشكو باستمرار .. وتتبلى عليها بأمورٍ لم يكن لها أي يدٍ فيها ...
كل ذلك وعبد الحميد لايعلم شيئاً مما يحدث داخل بيتهِ .. كل ما يعرفهُ هو أن الأمور تسيرُ عادية وعلى مايُرام ... لا تشوبها شائبة ... ولا يعتريها أي سوء ....
ذات يوم وقد غزت أشعة الشمس غرفة نوم عبد الحميد ... نهض من فراشهِ ليأخذَ حماماً ساخناً .. ويعود لتناول إفطارهِ ... وأثناء تناول الطعام قالت فريال :
ــ عبد الحميد ..! أريد أن أكلمكَ في موضوعٍ هام ...!
رد عبد الحميد قائلاً وقد تعود منها كثرة الشكوى من والدتهِ :
ــ إذا كان الأمر يتعلق بأمي ..!! أرى تأجيلهُ إلى حين عودتي في المساء ..!
قالت بنوع من الضعف :
ــ لا ..! ليس الأمرُ كذلك ..!
قال عبد الحميد وقد شدّ انتباههُ إليها :
ــ إذن ماذا تريدين أن تقولي ..؟
قالت وفي كلامها جدية :
ــ أنت تعرف أن والدي متوفى ..! وأنا لي حقٌ في ميراث والدي الذي استولى عليهِ أخي عامر ..! أريدُ منك أن تطلب منهُ حقي في هذا الميراث ..!
نهض عبد الحميد .. وبدأ يغير ملابسهُ .. وأثناء ذلك قال :
ــ فريال يا حبيبتي ...!! هل ينقصكِ شيء ...؟
تناولهُ بعض ملابسهِ وتقول :
ــ ولكن هذا حقي وأنا أولى بهِ من غيري ...!!!
قال بحزم :
ــ ولماذا أطلبهُ أنا ...؟ ألا يعلم هوَ بهذا الحق ...؟ هذهِ أشياء مفروغٌ منها ولا حاجة للمطالبة بها ...!!!
قالت تستعطفهُ :
ــ وهذا ما دعاني لعرض الأمر عليك ..! عامر أخي جشع وطماع ..! ولا يعطي حقاً دون مطالبة ..!
قال وقد تهيأ للخروج :
ــ دعي هذا الأمر إلى حين عودتي ...!!
قالت وهي تودعهُ :
ــ أرجوكَ يا حبيبي ..! لاتهمل هذا الموضوع ..!
قال وقد همّ بالخروج :
ــ لا عليكِ ..! أستودعكِ الله ...!!
ودعته بقبلةٍ سريعةٍ وقالت :
إلى اللقاء يا حبيبي ...!!!
وجدت فريال نفسها تعيشُ في بيتٍ يتمتع بمناخٍ غير المناخ الذي ترعرعت فيه ... دأبت على تسلطِ غيرها عليها .. منذ نعومة أظفارها .. أما الآن ... تعيش في بيتٍ هي الآمرة الناهية فيه .. لكنها لم تعرف كيف تتعامل مع من في البيت من خدمٍ وحشم .. أبرزت كل حقدها ونفسيتها المريضة ضد أهل البيت الذين رحبوا بها .. وعلى رأسهم زوجها ووالدتهُ صفية التي لم تتعود أن تتلقى أوامر أو تعليمات من أحد .. كانت سيدة نفسها وبيتها .. تصبر وتصبر على معاملة زوجة ابنها بهذا الاسلوب الجاف والتبلي عليها بأمورٍ لا تمتُ لها بأية صلة ... لم تشكُ لابنها معاملتها .. ولم تحاول حتى توضيح حقائق المشاكل والتهم التي توجهها لها ...
***********
بدأ عبد الحميد يلاحظ انطواء أمهِ على نفسها .. وانعزالها معظم الأوقات داخل غرفتها .. تعود أن يجلس معها ساعاتٍ طويلةٍ يتنا قشان في العمل .. والآرض والمزارع وما تعطي من إنتاج ... لكن هذا الشيء بدأ يتلاشى منذ دخول فيريال إلى بيتهِ .. يعود من عملهِ في المساء ليجد زوجتهُ مقطبة الجبين .. اختفت الابتسامة التي عرفها عند دخولهِ بها في بداية الزواج .. يحاولُ أن يستوضح الأمور .. لكنها لا تعطيه الفرصة وتبادرهُ بالصوت العالي ... وأحياناً بالبكاء المفتعل ... يذهب إلى الوالدة في غرفتها .. ليجدها منكمشةً .. وبوادر الحزن على وجهها .. صحتها لم تعد كسابق عهدها ويتساءل :
ــ ماذا هناكَ يا أمي ..؟ تكلمي .. ! قولي ما عندكِ .. أرجوكِ أفصحي عما بنفسك ...!
ترد الوالدة بصوتها الذي يبدو فيه الاعياء والتعب يدل على حالتها المرهقة :
يتبع ـــــــــــــــــــــ إلى اللقاء في الحلقة القادمة
مع تحيات رجب الجوابرة