لقاءُ بلا موعد ح36 بقلم الكاتب رجب الجوابرة

لقاءٌ بلا موعد ح36 ــ بقلم الكاتب رجب الجوابرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
تواصل السيدة فريال حديثها :
ــ توفي أبي تاركاً مصيري في يد زوجته التي لا ترحم ولا تعرف الرحمة .. بعد مرور اربع سنوات توفيت زوجة أبي .. وياليتها لم تمت تولتني زوجة أخي من أبي وليس من أمي ... زوجة أبي رغم تعاملها معي بقسوة ودون رحمة إلا أنها أرحم بكثير من الثانية ..
تصور يا ولدي ابنة العشر سنوات تبعثها زوجة أخيها أنصاف الليالي لتجلب الماء من بئرٍ بعيدة .. تصلهُ طريق موحشة ومخيفة داخل غابة من الأشجار الكثيفة ...
طوال اليوم أعمل في الغسيل والكنس وكل ما يلزم البيت من شغل .. هذا عدا عن الضرب المبرح منها ومن أخي لأتفه الأسباب .. لم أجد في تلك الأيام أحداً أشكو إليهِ حالي ..! أو حتى فترة من الزمن ألعبُ فيها مع أترابي ..! هذه كانت حياتي المأساوية عندما جاء هذا الرجل وانتشلني منها .. كنت أودُّ أن أواصل حياتي معهُ إلى آخر العمر دون أي عراقيل أو أي مشاكل ..! لكن نفسيتي المتعبة والمريضة المملوءة بالكراهية لكل البشر بسبب ما عانيت ..! جعلتني أتصرف تصرفاتٍ لا تليقُ بمن فتحوا لي بيتهم ..! وعاملوني أحسن معاملة ..! لم أجد منهم إلا كل خير .. وخصوصاً زوجي الذي أحببتهُ بجنون ...!!! لكن الشيطان لم يتركني في حالي ..! لم يفسح لي المجال كي أعامل هذه العائلة بمثل ما عاملوني ..! لم يعطني الفرصة لأثبت نفسي وحسن نيتي ووجودي .. بل تفنن الشيطان برسم الشر أمامي وكأنه هو الطريق الصحيح ..! تنكرتُ لصاحبة البيت أم زوجي ..! لم أرحم شيخوختها ..! لم أخفف آلامها بل ازدادت وحشيتي بتركها طوال الوقت تعاني آلام المرض ..! لا تسمع مني حتى الكلمة الطيبة ...!!!!
عبد الحميد يستمع للحديث صامتاً باهتاً في وجهها وهي تتحدث بهذهِ الاعترافات .. متسائلاً في قرارة نفسهِ وما دخلي أنا في هذه الرواية .. لكنه في تأمله يحاول استرجاع ملامحها في ذاكرتهِ .. ويقول هذا الوجه وهذا الصوت ليس غريباً عني .. مستبعداً صورة فريال عنها لما طرأعليها من تغييرات ...
تتابع فريال حديثها :
ــ تطور الخلاف بيني وبين زوجي .. لم يسلم هو أيضاً من لساني .. عاملتهُ بقسوة .. هزأتهُ عدة مرات ..! كان رجلاً عاقلاً رزيناً محبوباً من كل الناس .. تتمناهُ أيُّ فتاة أن يكون زوجاً لها .. وأخيراً انتهت علاقتي بهِ بالطلاق ..!
حملتُ أمتعتي وذهبتُ إلى بيت أخي ..! لكنهُ تنكر لي ..! لم يقبل أن أدخل بيتهُ ..! عدتُ أجرُّ أذيال الخيبة إلى بيت إحدى صديقاتي اللواتي تعرفتُ عليهن بعد الزواج .. وبعد بضعة أيام ..! دبرتُ أموري وبعت نصيبي من الأرض التي ورثتها عن أبي .. حملتُ حقيبتي قاصدةً بيروت في لبنان .. حيث تعيش خالتي هناك ..! سافرتُ عن طريق البحر .. وطوال سفري وأنا خائفة مذعورة على ما أملك من نقود خفتُ عليها من اللصوص ..!
استقبلتني خالتي بكل ترحابٍ وسعة صدر ..! ولكن المفاجأة الكبرى هو أنني اكتشفتُ بأنني حامل من زوجي ..! فزادت همومي ...!!!
عشتُ في بيت خالتي طيلة أشهر الحمل ..! وجدتها وبناتها الأربع في حالةٍ يرثى لها من الفقر والعوز .. زوجها سافر إلى أمريكا وانقطعت أخبارهُ ..! كنتُ أنفق مما معي من نقود عليَّ وعلى خالتي وبناتها ..!
بعد أن وضعت حملي ..! وكان صبياً جميلاً ..! فرحتُ بهِ فرحاً عظيماً آليت على نفسي أن أتفرغ لتربيتهِ وتنشئتهِ تنشئةً صالحةً ..!
أحصيتُ ما بقى معي من نقود ..! وجدتها قد شارفت على الانتهاء ..! فكرتُ بأن أتدبر أمري بعمل يدرُّ عليَّ دخلاً ثابتاً أستطيعُ بهِ أن أواصل العيش الكريم أنا وإبني ...!!
فكرتُ في التجارة ..! تصرفتُ بما بقي معي من نقود .. استأجرت شقة صغيرة وقريباً منها دكاناً صغيراً ..! وصرت أجلب بضائع نسائية من ملابس وغيرها ...! وأضعها في الدكان ..! أي بمعنى آخر نوفتيه صغير .. وبهذا ا نفصلتُ عن خالتي وبناتها انفصالاً تاماً ..! استطعتُ أن أواصل العيش بكرامة دونما حاجة لأي إنسان .. آليتُ على نفسي أن أضع نصب عيني تربية ابني وتعليمهِ إلى أن يصبح رجلاً يعتمدُ على نفسه ..! كم حاول كثيرٌ من الرجال طلب يدي للزواج ..! إلا أنني رفضتُ رفضاً قاطعاً ...!!
عطا الله يستمع إلى والدتهِ بكل انتباه منشداً إليها .. مبدياً استغرابهُ من كل كلمةٍ يسمعها من والدتهِ .. لأول مرةٍ في حياتهِ يسمع بمثل هذه الرواية ....
تواصل السيدة الكبيرة حديثها :
ــ شاءت الظروف بأن يتم التعارف بيني وبين رجلٍ من الأردن في الخامسة والأربعين من عمرهِ ... إلاأنهُ كان في أوج حيويتهِ ونشاطهِ ..! يعمل في التجارة وكان هذا سبب معرفتي بهِ .. شرح لي وضعهُ منذ أول شبابهِ .. تزوج مرتين لم ينجب منهما ..! وبعد إجراء الفحوص المخبرية اللازمة اتضح أنهُ عقيم لايستطيع الانجاب ..! عرف من خلال حديثهِ معي بقصتي كاملةً .. عرض عليَّ الزواج وتبني طفلي ومنحهِ اسمهُ ...!
قبلتُ الزواج منهُ لعدة أسباب ..! من أهمها هو أنني أعيش وحيدةً بين عالم لا يرحم المرأة ولا يتركها في حالها تعيش كما يحلو لها .. ألسنتهم لا تخلو من تأليف الأكاذيب وخاصة لامرأة مثلي تتمتع بنوع من الجمال تعيش وحيدةً ...!!!
السبب الثاني هو أنني وجدتُ فيهِ أباً لابني يمنحهُ كل اهتمامهِ وحنانهِ نظراً لعدم قدرتهِ على الانجاب ولا يكون هناكَ منافساً لهُ ..!!!
أما السبب الأخير ..! هو أن هذا الرجل يعيش وحيداً بعد موت والديهِ .. فأصبح كما يقولون (مقطوع من شجرة ) فهو من أصلٍ مغربي ولا يوجد لهُ أقارب ...
وجدتُ تشابهاً بين حالي وحالهِ ..! فكان زواجاً موفقاً وسريعاً .. انتقلنا إلى الأردن بعد أن بعتُ ما لدي من بضائع ...!!
قاطع عطا الله والدتهُ قائلاً :
ــ هل تعني أنني ذلك الطفل ..؟؟ وأن زوجكِ هو صادق ...؟؟؟؟
بكل حسرةٍ ولوعةٍ أجابت :
ــ نعم يا ولدي ..!!! هو ذاك ...!
سأل عطا الله بانفعالٍ شديد :
يتبع ـــــــــــــــــــــــــ إلى اللقاء في الحلقة التالية
مع تحيات رجب الجوابرة