وأخيراً وجدتُ نفسي ح1 ــ بقلم الكاتب رجب الجوابرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقدمة :
العمل هو مصدر الرزق لجميع الناس .. أينما يجد الانسان مصدر رزقهِ يضطر التوجه إليه أينما كان .. ولو في آخر المعمورة ...
معرفتي بهِ صدفة .. والصدف من صنع المعجزات ... أنا وبعض زملائي نعمل في قريته التي يقيم فيها وهي تقع داخل الخط الأخضر .. أو من ضمن قرى عرب الثمانية والأربعين كما يسمونها .. بيوتها معظمها من الطراز القديم غير متناسقة .. إلا أنها جميلة جداً بفضل اعتناء أصحابها بها .. وزراعة أنواعٍ متعددةٍ من الزهور وأشجار الزينة حولها .. مما يضفي عليها مناظر جميلة جداً وخلابة ...
أهلها أناسٌ طيبون .. معروفون بالكرم العربي الأصيل .. أيّ غريبٍ عنها وأراد أن يزورها أو يقيم فيها مدةً من الزمن .. لايشعر بالغربة بين أهلها ...
يقع مسجد هذهِ القرية على مقربةٍ من محل سكننا .. نسمع الأذان في كل وقت من أوقات الصلاة .. أذهب لأداء فريضة الصلاة جماعةً ..
لا شك أن الانسان الذي يحافظ على تمسكهِ بدينهِ ويؤدي فرائضه كما أمر الله سبحانهُ وتعالى ... لا بد أن يحظى باحترام من يعرفهُ ويحتكُّ بهِ .. وينال الرضى منهم ويأمنون جانبهُ .. يمنحونه ثقتهم المطلقة ..
احدى الصلوات .. وكانت صلاة العصر .. جلستُ خلف إمام المسجد مباشرةً .. الإمام رجلٌ ذو هيبة .. طويل القامة .. تدل هيئتهُ على أنهُ متمسكٌ بدينهِ .. يؤدي فرائضهُ على أكمل وجه .. لحيتهُ لم تكتمل بالشيب بعد .. وجههُ يفيض منهُ نور الهداية والعبادة ...
استدار بعد أن أدى الصلاة بنا جماعة .. يحلق بنظرهِ في وجوه المصلين ويتفحصها .. وهو يتمتم بالتسبيح والاستغفار والدعاء ... بعد خاتمة الصلاة .. لاحظتُ نظراتهِ المتفحصة نحوي .. يطيل التحديق في وجهي .. لا بد أنهُ عرف أنني غريبٌ عن هذه القرية .. فهو عادةً يعرف كل الوجوه التي تؤدي الصلاة بمعيتهِ .. يرى في هذه اللحظات وجهاً لم يألفهُ من قبل ولم يسبق لهُ معرفتهُ ... فجأة مد يدهُ ليصافحني .. وبدون تردد ناولتهُ يدي وتصافحنا وكان قد فرغ من التسبيح قال :
ــ أود التعرف عليك ..!! وقبل كل شيء أرحب بكَ أجمل ترحيب ..!!
أجبتهُ مازحاً :
ــ أنا فلسطيني ....!!!
علت وجههُ الابتسامة .. فكر قليلاً ثم قال :
ــ أعرف أنكَ فلسطيني ...!!! وأنا أيضاً فلسطيني ...!!!
قلتُ موحياً لهُ بالاستغراب :
ــ غريب ...!!!!
سأل بجدية :
ــ ما وجهُ الغرابة في ذلك ..؟؟؟؟
هنا بدأت المناقشة الحازمة .. تخيلتُ نفسي أنني انزلقتُ في متاهة لا حدود لها قلت :
ــ لا نؤاخذني يا أخي لأول مرة أسمع مثل هذا الكلام من أحد إخواننا عرب الثمانية والأربعين ...!!! ؟؟؟ لقد عملتُ مع الكثيرين منهم لم أجد سوى إنكار فلسطينيتهم وعروبتهم ...!!!
قال الشيخ بكل حدة :
ــ لا يا أخي ...!!! إن من يفعل هذا ..!! ويصف نفسهُ بغير أصلهِ ..!! هو خارجٌ عن الاجماع ..! وهم قلة ومنبوذون من الجميع ..!! فهم ليسوا منا ..!!
لاحظتُ أن الرجل أخذتهُ الحدة والعصبية ..! ثم قلت :
ــ اعذرني يا أخي ربما أجهل هذه الحقيقة مما رأيت ومما سمعت ..! وأقول لكَ صادقاً ..! أن بعض الذين عملـتُ معهم تمضي مدةٌ طويلة جداً حتى نعرف أنهم عربٌ فلسطينيون !! هم يتكلمون اللغة العبرية بطلاقة فيما بينهم .. ويلبسون ملابس تقليداً لليهود .. لذلكَ يصعب علينا التمييز بينهم أو التعرف على جنسيتهم ...!! وجدنا فعلهم هذا متعمد لا ندري ما السبب ..!!!
هدأ الشيخ بعض الشيء ثم قال :
ــ لا عليكَ يا أخي ..!! هناكَ من يحملُ نفساً مريضةً ويفعل ما يحلو لهُ ..!!
والآن ألا تريد أن تعرفني على نفسك ..؟؟؟
قلت مبتسماً :
ــ ولماذا لا أعرفكَ على نفسي ..!! أنا من الضفة الغربية ..!! وعلى وجه التحديد من محافظة الخليل ..!!! فسامحني يا أخي قلتها مازحاً ..! وأنا أعرف أنك على علم بأنني فلسطيني ..!!!
قال مرحباً :
ــ أهلاً بكَ وألف مرحب بأهل الخليل بلد أحلى كروم العنب في العالم ..!!
أنت ضيفي هذه الليلة ..!!
بكل امتنان قلت :
ــ أشكركَ جزيل الشكر ..! لستُ وحدي هنا..!! لي زملاء يعملون معي ونسكن قريباً من هنا ...!
رد قائلاً :
ــ إذن أنت وزملاؤك مدعوون عندي هذه الليلة ...!!!
شكرتهُ وطلبتُ منه أن تكون الدعوة في وقتٍ آخر ...
إلا أنهُ ألحَّ في طلبهِ وشدد ثم قلت :
ــ سوف أستشيرُ زملائي ..! وعند عودتي أردُّ لك الجواب ..!!
نهض من مكانهِ وقال :
ــ لا يا أخي ..! أرى لزاماً عليّ أن أقوم بواجبكم جميعاً ..! أنا آتٍ معك حيث تسكنون ...!!
وجدتُ أن الشيخ مصممٌ على رأيهِ قلت :
ــ على الرحب والسعة ..! حياك الله ..!
وضع يدهُ في يدي وقال :
ــ هيا بنا ..!
نظرتُ إلى جميع أنحاء المسجد وقد فرغ من المصلين ولم يبق سوايَ أنا والشخ حسن ...
توجهنا معاً إلى البيت .. وجدتُ زملائي جميعهم بملابسهم الداخلية .. منهم من يقوم بغسل أواني المطبخ .. وآخرون يحضرون طعام العشاء .. ومن دخل الحمام ليغتسل ...
فوضى داخل البيت المكون من غرفتين وصالة ومطبخ وحمام ... منظر يدل على أن البيت يسكنهُ مجموعة من الشباب .. الذين لا خبرة لهم في ترتيب الأواني والأمتعة .. كل شيءٍ في موضعٍ غير موضعهِ .....
يتبع ـــــــــــــــــــ إلى اللقاء في الحلقة التالية
مع تحيات رجب الجوابرة