مع تحيات رجب الجوابرة
وأخيراً وجدتُ نفسي ح4 ــ بقلم الكاتب رجب الجوابرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(ولا زال يتساءل)
أين شقيقتاي (ثريا وعزيزة)..؟ شيءٌ محير ... أسئلة كثيرة تدور في ذهني لم أجد لها جواباً .. شعرتُ بالرهبة .. سكونٌ مخيف .. لاأشعر بأي حركة ... دقاتُ قلبي تزداد سرعة .. أسألُ نفسي .. أين ذهبوا ..؟
مشيتُ إلى بوابة المنزل الخارجية .. فتحت .. نظرتُ يميناً ويساراً فلا أرى أحداً ..جلستُ على عتبة البوابة خارج المنزل .. أنتظرُ أيّ شخصٍ أراهُ وأستأنسُ بهِ .. أطمئن إليه .. تساقطت دموعي .. ازداد بكائي .. صرخت .. ناديت ولا حياة لمن تنادي ....!!!
كل شيءٍ هادئٍ وساكن سكون الأموات .. أدركتُ حينها أن الأهل غادروا البيت بعيداً من هنا ..!! ولكن إلى أين ولماذا ..؟ هذا علمهُ عند الله ،،!!
بينما أنا على هذه الحالة التي لا أحسدُ عليها ..! رأيت من بعيد ثلةً من الرجال المدججين بالسلاح ..! لباسهم موحد .. يحملون على ظهورهم وعلى صدورهم حقائب منفوخة ...
تملكني الخوف ..! ازدادت رهبتي من منظر أؤلئك الرجال الذين تغطي رؤوسهم خوذٌ حربية ..! اقتربوا مني ..! صوّب أحدهم سلاحهُ نحوي .. حاول اطلاق النار علي .. إلا أن رجلاً آخر أزاح البندقية عن اتجاهي ..! اقتربوا مني أكثر وهم يتكلمون لغةً لم أستطع فهمها .. وقفوا عندي فترةً من الوقت وهم يتناقشون فيما بينهم ...
دخلوا البيت سحبوني معهم إلى الداخل .. فتشوا جميع محتوياتهِ .. قلبوا أسفلهُ بعاليهِ ... يسألونني بلغتهم ..! لم أفهم أيَّ سؤال من أسئلتهم .. ولما فرغوا من تفتيش كل شيء..! جروني معهم وأنا في حالةٍ من البكاء والصراخ .. ولا أحد يهتم بي أو بصراخي ... إلى أن وصلنا ساحة المدرسة .. رأيتُ عدداً من الرجال .. بعضهم من أبناء قريتنا .. من بينهم آذن المدرسة يقفون بجانب الجدار .. وجوههم نحو الحائط .. لاأذكر كم كان عددهم .. ولكن حسب تقديري يزيدون عن الثلاثين رجلاً معظمهم من كبار السن .. أوقفوني وسطهم ووجهي نحو جدار المدرسة .. كما هو حال الرجال الذينهم قبلي ... على بعد خطواتٍ منا توجد مدرعة وجيب عسكري وسيارة لوري ..! يحيطون بها جنودٌ مسلحون ..وبعض الجنود فوق سطح المدرسة .. يصوبون اسلحتهم نحو الرجال الواقفين إلى جانب الجدار .. وأنا طبعاً من بينهم ... وجود هؤلاء الرجال أدخل الطمأنينة إلى قلبي بعض الشيء حيث هدأت وكفيتُ عن البكاء .. ولكن لا أدري ماهو مصيري .. ومصير هؤلاء الرجال ...
يمرُّ الوقت وكأن الزمن توقف عند تلك اللحظات ..! لا ندري كم من الوقت استغرقت وقفتنا .. أصوات الجنود تملأ المكان تمتزج بها أصوات وإشارات أجهزة اللاسلكي .. كلامٌ كثير وضجةٌ كبرى .. ونحن لا نعلم ماذا يريدون منا ..! أو ماذا سيفعلون بنا ..!!! لغتهم لا نفهمها ..!!!!
وتبقى أجواء الرهبة تخيم على المكان .. بعض الرجال اشتدعليهِ التعب والعناء من طول الوقوف ..!!
فجأة وبدون سابق إنذار .. ثارت صلية أتوماتيكية من إحدى بنادق الجنود .. تخيلتُ أنني أطير في السماء ..!! أو أنني أغوص في قاع الأرض .. التفاتة سريعة مني ..! رأيتُ أحد الرجال وقد سقطَ ودماؤهُ تنزف .. تكررت بعدها الطلقات النارية .. سقط جميع الرجال عن يميني وعن يساري لم يبقَ أحدٌ واقفٌ سواي .....!!!!!! انهارت أعصابي ..!! لم أستطع تحمل منظر الدم يسيل على أرض ملعب المدرسة ...!!!! لم أستطع تحمل الفاجعة حاولتُ البكاء والصراخ ولم أستطع ..!! تجمد الدم في عروقي ... !!! هبطتُ منهاراً على الأرض ..!! يخيلُ إليَّ أنني أغرقُ في أعماقها ..!! ينتظرني مصيرٌ كغيري من الرجال الذين ترامت أجسادهم على الأرض .. !! مستنقعٌ من الدم الزكي ..!!! غاب عني البصر ..!! لم أعد أرى إلا الدم الأحمر ...!!
يا لها من ساعةٍ عسيرةٍ ... !!!!! كيف استطعتُ تحمل تلك المناظر الرهيبة وأتساءل : هل أنا مع الأحياء أم مع الذين سقطوا ..؟ غرقتُ في هذه الهواجس ...!! بين لحظةٍ وأخرى سيطلقون رصاصهم نحوي ..!! وأغوص في دمي كهؤلاء الأبرياء ...! ما ذنبهم ...؟ وما ذا فعلوا حتى يلاقوا مصيراً كهذا المصير ..؟ وبينما أنا غارقٌ في هذه الهواجس والترقبات ..! شعرتُ بخطواتٍ تتقدم نحوي .. وقف شعر رأسي .. لازلتُ ساجداً على الأرض .. أحسستُ بيدٍ تمتدُّ نحو كتفي ..! أيقنتُ بقرب الأجل ...!! وإذا بأحدهم يمسكُ بي .. يوقفني ..! صرخت ..!! بكيت ..!!! لم تسقط لي دموع .. جفت الدموع
وتلاشت من عيني .. نظر الرجل في وجهي يكلمني ..!! يسألني بلغةٍ عربيةٍ مكسرة :
ــ لا .. لا تبكي ...!!
ازداد صراخي ..!! جعل يربتُ على ظهري ويقول :
لا تخف ..! إهدأ ..! شو اسمك ...؟؟
لم يكن لي قدرة على إجابتهِ ..!! منظرُ الدماء أمامي ومن حولي يجعلني في حالةٍ من الجمود والذهول .. أمسك بيدي .. سحبني إلى حيثُ يقف الجيب ..! رفعني بين يديه ..! أجلسني إلى جانب المقود .. ثم اعتلى كرسي القيادة .. وأدار مفتاح المحرك ..! وراح يسابق الريح .. إلى جهةٍ غير معلومة .. لا زلت أتوجس خيفةً ... أين يريد هذا الرجل أن يأخذني ..؟ ماذا يريد مني ..؟ كل هذا يحدثُ معي وأمام عينيّ ... وأنا لا أدرِ إن كنتُ أعيشُ ظروفاً حقيقية أم هيَ تخيلات وكوابيس في الأحلام ..؟ أحسُّ بنفسي وكأنني لا وجود لي على ظهر هذه الأرض ..!! وأتساءل :
ــ هل هذا كابوس سوف أصحو منهُ ..؟ لأجد أمي وأبي وشقيقتاي إلى جانبي ..؟؟؟ ثم أعودُ إلى حالةٍ من الصحو ...!!! لا ... لا .. هذا ليس كابوساً أو حلماً ...!!! ها هو الجيب يجري بنا ...!!! إلى أين ..؟ أين سينقلني هذا الرجل ...!!!!!!
بعد وقتٍ غير قصير .. وقد دخل الظلام أرجاء الأرض .. توقف الجيب ... حملني الرجل ونزل بي إلى الأرض .. ممسكاً بيدي وتوجه نحو بنايةٍ ضخمة وعالية ...!!
صعدنا الدرج ... وصلنا إلى إحدى الغرف .. ثم أخرج من جيبهِ مفتاحاً وفتح بابها ... أضاء المصباح الكهربائي ...!
يتبع ــــــــــــــــــــ إلى اللقاء في الحلقة التالية ...
مع تحيات رجب الجوابرة