وأخيراً وجدتُ نفسي ح 26ــ بقلم الكاتب رجب الجوابرة

وأخيراً وجدتُ نفسي ح26 ــ بقلم الكاتب رجب الجوابرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت هذه الليلة هي بدايةٌ للمشاكل بيني وبين شوشانا على التأخير .. منذ أن التقيتُ بإستر .. وأنا أتأخر كل ليلة إلى ساعةٍ متأخرةٍ .. بعد انتهائي من العمل .. أذهبُ إلى بيت خطيبتي إستر .. لترافقني إلى مكانٍ هادئ وشاعري نجلس فيهِ .. أو أبقى معها في البيت .. نقضي معاً أحلى ليالي العمر التي لا يعوضها شيء ..
هذه الفترة هي بداية الحياة الزوجية .. يجب أن نقضي معظم وقتنا معاً .. وجنباً إلى جنب .. حتى نهيء أنفسنا للبدء في مشوار العمر .. نعيش حياتنا بشكل طبيعي .. كما يعيش بقية البشر ...
لكن الحياة .. يستحيل أن تبقى كما هيَ .. لا بدّ أن يحدث شيءٌ يعرقل المسيرة والأشياء التي تم تخطيطها للمستقبل ...

**************
في هذا العام ... عام ألفٍ وتسعمائةٍ وسبعةٍ وستين .. نقرأ في الصحف ونسمع في وسائل الاعلام المتعددة .. أن طبول الحرب بدأت تُقرع .. وفي أحد الأيام من نفس العام .. سمعنا نداءً بواسطة الراديو لاستدعاء جيش الاحتياط .. وبما أنني أحد أفراد هذا الجيش .. يجب عليَّ أن أهيّءَ نفسي لألتحق بأحد المراكز العسكرية .. لأتمكن من الانضمام إلى الجيش .. يجب أن أكون جاهزاً للوصول إلى الكتيبة التي أنتمي إليها ...
جلستُ في خلوةٍ مع نفسي .. أفكر في الحرب وويلاتها .. أتذكرُ رجال قريتي .. وما حدثَ لهم في ساحة المدرسة .. يمر كل هذا في ذاكرتي .. أتصورهُ أمامي ...
الحرب ليست هينة .. هناكَ من يربح المعركة .. وهناك من يخسرها .. وطبعاً سيكون الخاسر هو الانسان من كلا الطرفين .. تمنيتُ من كل قلبي .. أن لا تندلع الحرب وتقوم المعارك .. تمنيتُ إذا قامت أن ينتصر فيها العرب .. وينالون حقوقهم ويعودون إلى ديارهم وأرضهم التي سلبت منهم ...
منظر الدم الزكي يمرُّ أمام عينيّ .. أكرهُ رؤية أشلاء القتلى من البشر .. تناسيتُ خلافاتي مع شوشانا .. لم يعد ما يدعو إلى الخلاف .. سأتركها وأتركُ إستر .. وأتوجهُ إلى المصير المجهول ...
ويأتي يوم الوداع .. بكت شوشانا .. وبكيتُ معها .. شعرنا بلحظة الفراق الحقيقية ... قد أعود ولا أعود ..
تعانقنا بكينا .. بكاء الاطفال .. ودعتها لآخر مرةٍ وهي تبكي وتصرخ .. خرجتُ متوجهاً إلى بيت إستر .. لأودعها كما ودعتُ شوشانا .. وجدتها في انتظاري .. قرعتُ الجرس .. أسرعت إلى الباب وفتحت .. عانقتني قبل أن أدخل .. تعلقت في عنقي .. دموعها تبلل وجنتيها .. دخلنا البيت ويدي تشبك يدها .. جلسنا على السرير نحدقُ قي وجهينا مرة ونتعانق أخرى .. نصف ساعةٍ قضيناها في حالةٍ من الحزن والأسى .. والشعور بلحظة الفراق .. قلبي لا يطاوعني للخروج وتركها بهذه الحالة ...
قالت باكيةً :
ــ أرجو أن لا يطول الفراق ..!! سأكونُ قلقةً عليك ..!!!!
قلتُ وأنا أمسحُ دموعها :
ــ هذا نصيبنا ..!! ويفعل اللهُ ما يريد .. ستبقى صورتكِ معي .. أتذكركِ في كل لحظة ..!! ستكونين معي في خيالي وفي وجداني ..! لا تقلقي يا حبيبتي ..!! سأعود إليكِ إذا كُتبَ لي أن أعيش ..
عادت تبكي بحرقةٍ تفتتُ القلب .. لا تريد أن تتركني .. ودعتها لآخر مرة ..
قلت :
ــ ضعي الأمل في قلبكِ دائماً .. أتمنى أن لا تطول غيبتي .. سأعود إليكِ يا حبيبة عمري ...!!!
قالت وهي تعانقني وتقبل جميع أنحاء وجهي :
ــ انتبه لنفسك ..!! سأكون في انتظارك ..!! سأعد الأيام والساعات حتى تحضر ..!! حتى تعود ونكمل مشوارنا ..!!!!
قلتُ وقد علقتُ حقيبتي في كتفي :
ــ سأعود ان شاء الله ..!! لا تيأسي ..!! سأعود ..!!!
كان منظراً حزيناً ومؤلماً .. خرجتُ مسرعاً وأنا في حالةٍ يرثى لها من الحزن والبكاء ...
ثلاثةُ أشهرٍ قضيتها قبل أن تندلع الحرب مفكراً في حبيبتي إستر .. وهل سأعود إليها أم لا .. إنها حبي الأول والأخير .. كانت آمالنا واسعةً في مستقبلٍ حافلٍ يالمحبة والعيش الكريم .. لم نهنأ بعد بلقائنا بعد الغياب الطويل
كم تمنيتُ قرب اللحظة التي اعود فيها إليها ....
شوشانا أيضاً تمر ذكراها في خاطري .. إنها مربيتي .. عشتُ معها أحلى سنين العمر .. كيف أنسى هذه الانسانة التي أعطتني كل حنانها وعطفها .. هي الوحيدة التي آنست وحدتي .. وفرحت لفرحي ..ومرضت لمرضي .. كانت الأم والأب .. والأخت والأخ .. والحبيبة والزوجة .. ضحت ببيتها وزوجها من أجلي .. أعطتني كل شيءٍ ولم تبخل ...
قامت الحرب .. نشبت المعارك على الجبهات الثلاث .. سيطر جيش الدفاع الاسرائيلي منذ الساعات الأولى لنشوب المعارك ... حيثُ دمرت جميع الطائرات الحربية العربية وهي على أرض مطاراتها .. كما ودمرت جميع الدفاعات الأرضية .. لم يبقَ لها أيّ مفعول .. مما أتاح لجيش الدفاع أن يجول ويصول دون مجابهةٍ حقيقية .. انهزمت على إثرها الجيوش العربية الثلاث .. وأحتلت أراضٍ من ثلاث دولٍ عربية .. صحراء سيناء على الجبهة المصرية بالإضافة إلى قطاع غزة الفلسطيني الذي كان يتبع الجبهة المصرية ... هضبة الجولان على الجبهة السورية .. والضفة الغربية على الجبهة الأردنية وكانت تابعة للحكم الأردني ..
هذهِ المناطق الثلاث أصبحت تحت سيطرة الجيش الاسرائيلي .. كان من نصيبي أن أكون تابعاً لكتيبة من كتائب القطاع الأوسط التي دخلت الضفة الغربية .. وأكون من بين الذين احتلوا مواقعهم على نهر الأردن .. بالقرب من جسر ألنبي .. والذي دمرتهُ الطائرات الحربية الاسرائيلية ......
يتبع ــــــــــــــــــــــــــ إلى اللقاء في الحلقة التالية
مع تحيات رجب الجوابرة

الله لا يعودها تلك الايام ايام نكسة 5 يونيه عام 67

ايام مرة على العرب جميعا