كان الحبيب المصطفي صلى الله عليه وسلم يوقظ أهله في ليالي العشر الأواخر من رمضان رجاء أن يدركوا ليلة القدر، وكان يشد المئزر وذلك كناية عن جده واجتهاده عليه الصلاة والسلام في العبادة في تلك الليالي، واعتزاله النساء فيها، وورد عن بعض السلف الاغتسال والتطيب في ليالي العشر تحرياً لليلة القدر التي شرفها الله ورفع قدرها.
ولهذا ينبغي أن يتحرها المؤمن في كل ليالي العشر عملاً بقوله (ص): ( التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان ) [متفق عليه]، وقد أخفى الله عز وجل علمها حتى يجتهد الناس في العبادة في تلك الليالي، ويجدوا في طلبها بغية الحصول عليها، فيظنون أنها في كل ليلة، فترى الكثير من الناس في تلك الليالي المباركة بين ساجد وقائم وداع وباك، فاللهم وفقنا لقيام ليلة القدر، واجعلها لنا خيراً من ألف شهر، فالناس بقيامهم تلك الليالي يثابون بإذن الله تعالى على قيامهم كل ليلة، كيف لا وهم يرجون ليلة القدر أن تكون في كل ليلة، ولهذا كان من سنة النبي(ص) الاعتكاف في ليالي العشر من رمضان.
وليلة القدر لا تختص بليلة معينة في جميع الأعوام بل هي تنتقل، أي قد تكون في عام ليلة خمس وعشرين، وفي عام آخر ليلة ثلاث وعشرين وهكذا فهي غير ثابتة بليلة معينة في كل عام.
فضائل ليلة القدر
1 - أنها ليلة أنزل الله فيها القرآن، قال تعالى: ( إنا أنزلناه في ليلة القدر) .
2 - أنها ليلة مباركة، قال تعالى
إنا أنزلناه في ليلة مباركة) .
3 - يكتب الله تعالى فيها الآجال والأرزاق خلال العام، قال تعالى: (فيها يفرق كل أمر حكيم) .
4 - فضل العبادة فيها عن غيرها من الليالي، قال تعالى: (ليلة القدر خير من ألف شهر) .
5 - تنزل الملائكة فيها إلى الأرض بالخير والبركة والرحمة والمغفرة، قال تعالى: (تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر) .
6 - ليلة خالية من الشر والأذى وتكثر فيها الطاعة وأعمال الخير والبر، وتكثر فيها السلامة من العذاب ولا يخلص الشيطان فيها إلى ما كان يخلص في غيرها فهي سلام كلها، قال تعالى: (سلام هي حتى مطلع الفجر) .
7 - فيها غفران للذنوب لمن قامها واحتسب في ذلك الأجر عند الله عز وجل، قال المصطفى(ص) : (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) [متفق عليه].
فليلة هذه فضائلها وخصائصها وهباتها، ينبغي علينا أن نجتهد فيها ونكثر من الدعاء والاستغفار والأعمال الصالحة، فإنها فرصة العمر، والفرص لا تدوم، فأي فضل أعظم من هذا الفضل لمن وفقه الله، فاحرصوا رحمكم الله على طلب هذه الليلة واجتهدوا بالأعمال الصالحة لتفوزوا بثوابها فإن المحروم من حُرم الثواب، ومن تمر عليه مواسم المغفرة ويبقى محملا بذنوبه بسبب غفلته وإعراضه وعدم مبالاته فإنه محروم، أيها العاصي تب الى الله واسأله المغفرة فقد فتح لك باب التوبة، ودعاك إليها وجعل لك مواسم للخير تضاعف فيها الحسنات وتمحى فيها السيئات فخذ لنفسك بأسباب النجاة.
اللهم اجعلنا ممن وفق لقيام ليلة القدر، فأجزلت له المثوبة والأجر، وغفرت له الزلل والوزر، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أعلنا وما أسررنا، وما أنت أعلم به منا، برحمتك يا عزيز يا غفار، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.[b]