المستحب في ليالي رمضان إحياؤها بالقيام والصلاة والعبادة ، وتخصيص العشر الأواخر
منه بمزيد تعبد واجتهاد ، طلبا للمغفرة والرحمة ، وتحريا لليلة القدر التي هي خير
من ألف شهر.
ثم إن صلاة التراويح تعتبر من قيام الليل ، وتسميتها بالتراويح لما يتخللها من أخذ
قسط يسير من الراحة بين الركعات ، ولذلك فالأمر فيها واسع ، يجوز للعبد أن يصلي في
الليلة ما شاء من الركعات ، وفي أي وقت من الليل شاء .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (34/123) :
" لا خلاف بين الفقهاء في سنية قيام ليالي رمضان ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من
قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه )
وقال الفقهاء : إن التراويح هي قيام رمضان ؛ ولذلك فالأفضل استيعاب أكثر الليل بها
; لأنها قيام الليل
وما يقوم به كثير من الأئمة اليوم – خاصة في العشر الأواخر – من الصلاة بالناس
التراويح بعد العشاء مباشرة ، ثم الرجوع إلى المسجد في ساعة متأخرة من الليل للصلاة
والقيام ، هو من المشروع لا من الممنوع ، وليس هناك ما يمنعه ، والمطلوب هو
الاجتهاد في العشر الأواخر على حسب الاستطاعة ، فإذا قَسَّم المرء ليله ما بين صلاة
وراحة ونوم وقراءة قرآن فقد أحسن .
قال الشيخ عبد الله أبابطين – كما في "الدرر السنية" (4/364) - :
" مسألة في الجواب عما أنكره بعض الناس على من صلى في العشر الأواخر من رمضان زيادة
على المعتاد في العشرين الأول ، وسبب إنكارها لذلك غلبة العادة ، والجهل بالسنة وما
عليه الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام .
فنقول: قد وردت الأحاديث عن النبي صلى الله وعليه وسلم بالترغيب في قيام رمضان ،
والحث عليه ، وتأكيد ذلك في عشره الأخير .
إذا تبين أنه لا تحديد في عدد التراويح ، وأن وقتها عند جميع العلماء من بعد سنة
العشاء إلى طلوع الفجر ، وأن إحياء العشر سنة مؤكدة ، وأن النبي صلى الله وعليه
وسلم صلاها ليالي جماعة ، فكيف ينكر على من زاد في صلاة العشر الأواخر عما يفعلها
أول الشهر ، فيصلي في العشر أول الليل ، كما يفعل في أول الشهر ، أو قليل ، أو كثير
، من غير أن يوتر ، وذلك لأجل الضعيف لمن يحب الاقتصار على ذلك ، ثم يزيد بعد ذلك
ما يسره الله في الجماعة ، ويسمى الجميع قياماً وتراويح .
وربما اغتر المنكر لذلك بقول كثير من الفقهاء : يستحب أن لا يزيد الإمام على ختمة
، إلا أن يؤثر المأمومون الزيادة ، وعللوا عدم استحباب الزيادة على ختمة بالمشقة
على المأمومين ، لا كون الزيادة غير مشروعة ، ودل كلامهم على أنهم لو آثروا الزيادة
على ختمة كان مستحباً ، وذلك مصرح به في قولهم : إلا أن يؤثر المأمومون الزيادة .
وأما ما يجري على ألسنة العوام من تسميتهم ما يفعل أول الليل تراويح ، وما يصلي بعد
ذلك قياماً ، فهو تفريق عامي ، بل الكل قيام وتراويح ، وإنما سمي قيام رمضان تراويح
لأنهم كانوا يستريحون بعد كل أربع ركعات من أجل أنهم كانوا يطيلون الصلاة ، وسبب
إنكار المنكر لذلك لمخالفته ما اعتاده من عادة أهل بلده وأكثر أهل الزمان ، ولجهله
بالسنة والآثار ، وما عليه الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام ، وما يظنه بعض الناس
من أن صلاتنا في العشر هي صلاة التعقيب الذي كرهه بعض العلماء فليس كذلك ؛ لأن
التعقيب هو التطوع جماعة بعد الفراغ من التراويح والوتر .
هذه عبارة جميع الفقهاء في تعريف التعقيب أنه التطوع جماعة بعد الوتر عقب التراويح،
فكلامهم ظاهر في أن الصلاة جماعة قبل الوتر ليس هو التعقيب "
انتهى باختصار
.
وقال الشيخ صالح الفوزان في كتاب "إتحاف أهل الإيمان بمجالس شهر رمضان" :
" وأما في العشر الأواخر من رمضان ، فإن المسلمين يزيدون من اجتهادهم في العبادة ،
اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وطلباً لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ،
فالذين يصلون ثلاثاً وعشرين ركعة في أول الشهر يقسمونها في العشر الأواخر ، فيصلون
عشر ركعات في أول الليل ، يسمونها تراويح ، ويصلون عشراً في آخر الليل ، يطيلونها
مع الوتر بثلاث ركعات ، ويسمونها قياماً ، وهذا اختلاف في التسمية فقط ، وإلا
فكلها يجوز أن تسمى تراويح ، أو تسمى قياماً ، وأما من كان يصلى في أول الشهر
إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة فإنه يضيف إليها في العشر الأواخر عشر ركعات ، يصليها
في آخر الليل ، ويطيلها ، اغتناماً لفضل العشر الأواخر ، وزيادة اجتهاد في الخير ،
وله سلف في ذلك من الصحابة وغيرهم ممن كانوا يصلون ثلاثاً وعشرين كما سبق ، فيكونون
جمعوا بين القولين : القول بثلاث عشرة في العشرين الأول ، والقول بثلاث وعشرين في
العشر الأواخر " انتهى .
).
والله أعلم .