الحمد لله
الأسباب المعينة على قيام الليل كثيرة منها :
1- الإخلاص لله تعالى : كما أمر الله تعالى بإخلاص
العمل له دون ما سواه : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) ، فكلما
قوي إخلاص العبد كان أكثر توفيقاً إلى الطاعات والقربات ، وفي حديث أبي بن كعب
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بشر هذه الأمة
بالسناء والدين والرفعة والنصر والتمكين في الأرض ، فمن عمل منهم عمل الآخرة
للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب " رواه أحمد صحيح الجامع 2825 .
قال مطرف بن عبدالله بن الشخير : صلاح العمل بصلاح القلب ، وصلاح القلب بصلاح
النية . قال ابن القيم رحمه الله : وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته يكون
توفيقه سبحانه وإعانته ، فالمعونة من الله تنزل على العباد على قدر هممهم ونياتهم
ورغبتهم ورهبتهم ، والخذلان ينزل عليهم على حسب ذلك . ولذا حرص السلف الكرام
أشد الحرص على إخفاء الطاعات كقيام الليل ؛ سأل رجل تميم بن أوس الداري رضي الله
عنه فقال له : كيف صلاتك بالليل ؟ فغضب غضباً شديداً ثم قال : والله لركعة
أصليها في جوف الليل في السر أحب إلي من أن أصلي الليل كله ، ثم أقصه على الناس
. وكان أيوب السختياني يقوم الليل كله ، فإذا قرب الفجر رجع فاضطجع في فراشه
، فإذا طلع الصبح رفع صوته كأنه قد قام تلك الساعة .
2- أن يستشعر مريد قيام الليل أن الله تعالى يدعوه
للقيام : فإذا استشعر العبد أن مولاه يدعوه لذلك وهو الغني عن طاعة الناس جميعاً
كان ذلك أدعى للاستجابة ، قال تعالى : ( يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً
نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً ) ، قال سعد بن
هشام بن عامر لعائشة رضي الله عنها : أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقالت : ألست تقرأ ( يا أيها المزمل ) قلت : بلى ، فقالت : إن الله
عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
حولاً ، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء حتى أنزل الله في آخر هذه
السورة التخفيف ، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة . رواه مسلم .
2- معرفة
فضل قيام الليل : فمن عرف فضل هذه العبادة حرص على مناجاة الله تعالى ، والوقوف
بين يديه في ذلك الوقت ، ومما جاء في فضل هذه العبادة ما ثبت من حديث أبي هريرة
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أفضل الصلاة بعد
الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل ، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر
الله المحرم " رواه مسلم . وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أحب الصلاة إلى الله صلاة داود
، وأحب الصيام إلى الله صيام داود ، كان ينام نصف الليل ، ويقوم ثلثه ، وينام
سدسه ، ويصوم يوماً ويفطر يوماً " متفق عليه . وعن عمرو بن عبسة
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أقرب ما يكون الرب من العبد
في جوف الليل الآخر ، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن "
رواه الترمذي والنسائي . وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : " عجب ربنا من رجلين : رجل ثار عن وطائه ولحافه من
بين أهله وحبه إلى صلاته فيقول الله جل وعلا : أيا ملائكتي انظر إلى عبدي ثار
من فراشه ووطائه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي ، وشفقة مما عندي
" رواه أحمد وهو حسن ، صحيح الترغيب 258 . وقيام الليل يطرد
الغفلة عن القلب كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين
، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين
" رواه أبوداود وابن حبان وهو حسن ، صحيح الترغيب 635 . قال يحى
بن معاذ : دواء القلب خمسة أشياء : قراءة القرآن بالتفكر ، وخلاء البطن ، وقيام
الليل ، والتضرع عند السحر ، ومجالسة الصالحين .
4-النظر في حال السلف والصالحين في قيام الليل
ومدى لزومهم له : فقد كان السلف يتلذذون بقيام الليل ، ويفرحون به أشد الفرح
، قال عبد الله بن وهب : كل ملذوذ إنما له لذة واحدة ، إلا العبادة ، فإن لها
ثلاث لذات : إذا كنت فيها ، وإذا تذكّرتها ، وإذا أعطيت ثوابها . وقال محمد بن
المنكدر : ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث : قيام الليل ، ولقاء الإخوان ، والصلاة
في جماعة . وقال ثابت البناني : ما شيء أجده في قلبي ألذّ عندي من قيام الليل
وقال يزيد الرقاشي : بطول التهجد تقر عيون العابدين ، وبطول الظمأ تفرح قلوبهم
عند لقاء الله . قال مخلد بن حسين : ما انتبهت من الليل إلا أصبت إبراهيم بن
أدهم يذكر الله ويصلي ، فأَغتمُّ لذلك ، ثم أتعزى بهذه الآية ( ذلك فضل الله
يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) . وقال أبو عاصم النبيل : كان أبو حنيفة
يسمى الوتد لكثرة صلاته . وعن القاسم بن معين قال : قام أبو حنيفة ليلة بهذه
الآية ( بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر) يرددها ويبكي ، ويتضرع حتى
طلع الصبح . وقال إبراهيم بن شماس : كنت أرى أحمد بن حنبل يُحيي الليل وهو غلام
. وقال أبو بكر المروذي : كنت مع الإمام أحمد نحواً من أربعة أشهر بالعسكر ولا
يدع قيام الليل وقرآن النهار ، فما علمت بختمة ختمها ، وكان يسرّ ذلك . وكان
الإمام البخاري : يقوم فيتهجد من الليل عند السحر فيقرأ ما بين النصف إلى الثلث
من القرآن ، فيختم عند السحر في كل ثلاث ليال . وقال العلامة ابن عبد الهادي
يصف قيام شيخ الإسلام ابن تيمية : وكان في ليله منفرداً عن الناس كلهم خالياً
بربه ، ضارعاً مواظباً على تلاوة القرآن ، مكرراً لأنواع التعبدات الليلية والنهارية
، وكان إذا دخل في الصلاة ترتعد فرائصه وأعضاؤه حتى يميل يمنة ويسرة . وقال ابن
رجب في شيخه الإمام ابن القيم : وكان ذا عبادة وتهجد وطول صلاة إلى الغاية
القصوى ، ولم أشاهد مثله في عبادته وعلمه بالقرآن والحديث وحقائق الإيمان . وقال
الحافظ ابن حجر يصف شيخه الحافظ العراقي : وقد لازمته ، فلم أره ترك قيام الليل
بل صار له كالمألوف .
3- النوم
على الجانب الأيمن : وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرشد أمته إلى النوم على
الجانب الأيمن ، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : " إذا أوى أحدكم إلى فراشه فليفضه بداخلة إزاره ، فإنه
لا يدري ما خلّفه عليه ، ثم ليضطجع على شقه الأيمن ، ثم ليقل باسمك ربي وضعت
جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك
الصالحين " متفق عليه . وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال : إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ، ثم اضطجع
على شقك الأيمن " متفق عليه ، وعن حفصة رضي الله عنها قالت : كان
النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه جعل يده اليمنى تحت خده الأيمن
" رواه الطبراني ، صحيح الجامع 4523 . قال الإمام ابن القيم رحمه
الله : وفي اضطجاعه صلى الله عليه وسلم على شقه الأيمن سر ، وهو أن القلب
معلّق في الجانب الأيسر ، فإذا نام على شقه الأيسر استثقل نوماً ، لأنه يكون
في دعة واستراحة فيثقل نومه ، فإذا نام على شقه الأيمن فإنه يقلق ولا يستغرق
في النوم لقلق القلب وطلبه مستقره وميله إليه .
4- النوم
على طهارة : تقدم حديث البراء بن عازب رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : " إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة " متفق
عليه ، وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: " ما من مسلم يبيت على ذكر طاهراً فيتعارّ من الليل ، فيسأل الله خيراً
من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه " رواه أبو داود وأحمد ، صحيح
الجامع 5754 . وجاء من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : " طهّروا هذه الأجساد طهركم الله ، فإنه ليس عبد يبيت
طاهراً إلا بات معه في شعاره ملك ، لا يتقلب ساعة من الليل إلا قال : اللهم اغفر
لعبدك ، فإنه بات طاهراً " رواه الطبراني ، قال المنذري : إسناد جيد
، صحيح الجامع 3831 .
6- التبكير بالنوم : النوم بعد العشاء مبكراً وصية
نبوية ، وخصلة حميدة ، وعادة صحية ومما جاء في فضله حديث أبي برزة الأسلمي رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستحب أن يؤخر العشاء ، وكان
يكره النوم قبلها والحديث بعدها " رواه البخاري ، نقل الحافظ ابن
حجر عن القاضي عياض في قوله : "وكان يكره النوم قبلها " قال : لأنه
قد يؤدي إلى إخراجها عن وقتها مطلقاً ، أو عن الوقت المختار ، والسمر بعدها قد
يؤدي إلى النوم قبل الصبح ، أو عن وقتها المختار ، أو عن قيام الليل . وقال ابن
رافع : كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينِشّ الناس بدِرّته بعد العتمة ويقول
: قوموا لعل الله يرزقكم صلاة . ومما يتعلق بالنوم : اختيار الفراش المناسب ،
وذلك بعدم المبالغة في حشو الفراش ، وتليينه وتنعيمه لأن ذلك من أسباب كثرة النوم
والغفلة ، ومجلبة للكسل والدّعة ، وثبت من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كانت
وسادة النبي صلى الله عليه وسلم التي ينام عليها بالليل من أدم حشوها ليف
. رواه أبوداود وأحمد ، صحيح الجامع 4714 . وعن ابن عباس رضي الله عنهما
أن عمر بن الخطاب دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حصير قد
أثر في جنبه الشريف فقال عمر : يا نبي الله لو اتخذت فراشاً أوْثر من هذا ؟ فقال
صلى الله عليه وسلم : ما لي وللدنيا ، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار
في يوم صائف ، فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ، ثم راح وتركها . رواه أحمد
والحاكم ، صحيح الجامع 5545. وكان علي بن بكار رحمه الله تفرش له جاريته
فراشه ، فيلمسه بيده ثم يقول : والله إنك لطيب ، والله إنك لبارد ، والله لا
علوتك ليلتي ، ثم يقوم يصلي إلى الفجر . ومن ذلك عدم الإفراط في النوم والاستغراق
فيه ، قال إبراهيم ابن أدهم : إذا كنت بالليل نائماً ، وبالنهار هائماً ، وفي
المعاصي دائماً ، فكيف تُرضي من هو بأمورك قائماً .
7- المحافظة على الأذكار الشرعية قبل النوم : فإن
هذه الأذكار حصن حصين يقي بإذن الله من الشيطان ، ويعين على القيام ، ومن هذه
الأذكار ، ما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : " إذا أوى أحدكم إلى فراشه ، فلينفضه بداخلة إزاره ، فإنه لا
يدري ما خلّفه عليه ، ثم ليضطجع على شقّه الأيمن ، ثم ليقل : باسمك ربي وضعت
جنبي ، وبك أرفعه ، إن أمسكت نفسي فارحمها ، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به
عبادك الصالحين " متفق عليه . وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ، ثم نفث فيهما
يقرأ (قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) ثم
يمسح بهما ما استطاع من جسده ، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده ،
يفعل ذلك ثلاث مرات " متفق عليه .وعن أبي مسعود رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة
في ليلة كفتاه " متفق عليه . وعن أنس بن مالك رضي الله أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال : " الحمد لله الذي أطعمنا
وسقانا ، وكفانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي له " رواه مسلم .
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقصة الشيطان معه قال له : إذا أويت إلى فراشك
فاقرأ آية الكرسي (الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) حتى تختمها ، فإنه لن يزال
عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح ، فذكر ذلك أبو هريرة للنبي صلى
الله عليه وسلم فقال له : صدقك وهو كذوب " متفق عليه . وعن
علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنته
فاطمة رضي الله عنها لما جاءت إليه تطلب منه خادماً ، فقال لها ولعلي : ألا أدلكما
على خير لكما من خادم ،إذا أويتما إلى فراشكما ، فسبّحا ثلاثاً وثلاثين ، واحمدا
ثلاثاً وثلاثين ، وكبرا أربعاً وثلاثين ، فإنه خير لكما من خادم " متفق
عليه . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: " اقرأ ( قل يا أيها الكافرون) عند منامك ، فإنها براءة من الشرك
" رواه البيهقي ، صحيح الجامع 1172 . وعن حفصة رضي الله عنها أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه جعل يده اليمنى تحت خده الأيمن
وقال : رب قني عذابك يوم تبعث عبادك " رواه أبو داود ، صحيح الجامع
4532 . وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: " إذا أتيت إلى مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ، ثم اضطجع على شقك الأيمن ،
ثم قل : اللهم أسلمت نفسي إليك ، ووجهت وجهي إليك ، وفوضت أمري إليك ، وألجأت
ظهري إليك ، رغبة ورهبة إليك ، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ، آمنت بكتابك
الذي أنزلت ، وبنبيك الذي أرسلت ، فإن متّ متّ على الفطرة ، واجعلهن آخر ما تقول
" متفق عليه . وينبغي كذلك أن يحافظ المسلم على الأذكار الشرعية
عند الاستيقاظ ، ومنها : ما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : "إذا استيقظ أحدكم فليقل : الحمد لله الذي رد علي
روحي ، وعافاني في جسدي ، وأذن لي بذكره " رواه الترمذي والنسائي ،
صحيح الجامع 326 . وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : من تعارّ من الليل فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له
، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، الحمد لله سبحان الله ، ولا إله
إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : اللهم اغفر لي
، أو دعا استجيب له ، فإن توضأ ثم صلى قُبلت صلاته " رواه البخاري . قال
الإمام ابن بطال : وعد الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أن من استيقظ
من نومه لَهِجاً بتوحيد ربه ، والإذعان له بالملك ، والاعتراف بنعمه بحمده عليها
، وينزهه عما لا يليق به بتسبيحه والخضوع له بالتكبير ، والتسليم له بالعجز عن
القدرة إلا بعونه ، أنه إذا دعاه أجابه ، وإذا صلى قبلت صلاته ، فينبغي لمن بلغه
هذا الحديث أن يغتنم العمل به ، ويخلص نيته لربه سبحانه وتعالى . وعن البراء
بن عازب رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا
استيقظ من نومه قال : " الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور
" رواه مسلم . وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان إذا استيقظ من الليل يمسح النوم عن وجهه بيده ، ثم ينظر
إلى السماء ويقرأ العشر آيات الخواتم من سورة آل عمران : ( إن في خلق السماوات
والأرض …) الآيات . رواه مسلم ، قال الإمام النووي : فيه استحباب مسح
أثر النوم عن الوجه ، واستحباب قراءة هذه الآيات عند القيام من النوم .
5- الحرص
على نومة القيلولة بالنهار : وهي إما قبل الظهر أو بعده ، فعن أنس رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قيلوا فإن الشياطين لا تقيل
" رواه الطبراني ، الصحيحة 2647 ، قال إسحاق بن عبدالله : القائلة
من عمل أهل الخير ، وهي مجمة للفؤاد مَقْواة على قيام الليل . ومرّ الحسن البصري
بقوم في السوق في وسط النهار فرأى صخبهم وضجيجهم فقال : أما يقيل هؤلاء ، فقيل
له : لا فقال : إني لأرى ليلهم ليل سوء .
6- اجتناب
كثرة الأكل والشرب : فإن الإكثار منهما من العوائق العظيمة التي تصرف المرء عن
قيام الليل ، وتحول بينه وبينه كما جاء في حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله
عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما ملأ آدمي وعاءاً شراً
من بطنه ، حسْب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه ، وثلث
لشرابه ، وثلث لنفسه " رواه الترمذي وابن ماجه ، صحيح الجامع 5674
. وعن أبي جحيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل تجشأ
في مجلسه : أقصر من جشائك ، فإن أكثر الناس شبعاً في الدنيا أكثرهم جوعاً يوم
القيامة " رواه الحاكم ، صحيح الجامع 1190 . قال سفيان الثوري :
عليكم بقلة الأكل ، تملكوا قيام الليل . ورأى معقل بن حبيب قوماً يأكلون كثيراً
فقال : ما نرى أصحابنا يريدون أن يصلوا الليلة . وقال وهب بن منبه : ليس من بني
آدم أحب إلى شيطانه من الأكول النوام .
7- مجاهدة
النفس على القيام : وهذا من أعظم الوسائل المعينة على قيام الليل لأن النفس البشرية
بطبيعتها أمارة بالسوء تميل إلى كل شر ومنكر فمن أطاعها فيما تدعو إليه قادته
إلى الهلاك والعطب ، وقد أمرنا الله تعالى بالمجاهدة فقال : ( وجاهدوا في الله
حق جهاده) وقال سبحانه : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن
الله لمع المحسنين ) وقال تعالى : ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً
وطمعاً ) وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: " المجاهد من جاهد نفسه في الله " رواه الترمذي وابن حبان ،
الصحيحة 549 . وفي حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : " الرجل من أمتي يقوم من الليل يعالج نفسه إلى الطهور
وعليه عُقَد ، فإذا وضأ يديه انحلت عقدة ، وإذا وضأ وجهه انحلت عقدة ، وإذا مسح
رأسه انحلت عقدة ، وإذا وضأ رجليه انحلت عقدة ، فيقول الله عز وجل للذين من وراء
الحجاب : انظروا إلى عبدي هذا يعالج نفسه ، ويسألني ، ما سألني عبدي فهو له "
رواه أحمد وابن حبان ، صحيح الترغيب 627 . قال محمد بن المنكدر : كابدت نفسي
أربعين عاماً حتى استقامت لي . وقال ثابت البناني : كابدت نفسي على قيام الليل
عشرين سنة وتلذذت به عشرين سنة . وقال عمر بن عبد العزيز : أفضل الأعمال ما أكرهت
عليه النفوس . وقال عبد الله بن المبارك : إن الصالحين فيما مضى كانت تواتيهم
أنفسهم على الخير ، وإن أنفسنا لا تكاد تواتينا إلا على كره فينبغي لنا أن نكرهها
. وقال قتادة : يا ابن آدم : إن كنت لا تريد أن تأتي الخير إلا بنشاط ، فإن نفسك
إلى السآمة وإلى الفترة وإلى الملل أميل ، ولكن المؤمن هو المتحامل .
8- اجتناب
الذنوب والمعاصي : فإذا أراد المسلم أن يكون مما ينال شرف مناجاة الله تعالى
، والأنس بذكره في ظلم الليل ، فليحذر الذنوب ، فإنه لا يُوفّق لقيام الليل من
تلطخ بأدران المعاصي ، قال رجل لإبراهيم بن أدهم : إني لا أقدر على قيام الليل
فصف لي دواء ؟ فقال : لا تعصه بالنهار ، وهو يُقيمك بين يديه في الليل ، فإن
وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف ، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف . وقال
رجل للحسن البصري : يا أبا سعيد : إني أبِيت معافى ، وأحب قيام الليل ، وأعِدّ
طهوري ، فما بالي لا أقوم ؟ فقال الحسن : ذنوبك قيدتْك . وقال رحمه الله : إن
العبد ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل ، وصيام النهار . وقال الفضيل بن عياض
: إذا لم تقدر على قيام الليل ، وصيام النهار ، فأعلم أنك محروم مكبّل ، كبلتك
خطيئتك .
9- محاسبة
النفس وتوبيخها على ترك القيام : فمحاسبة النفس من شعار الصالحين ، وسمات الصادقين
قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا
الله إن الله خبير بما تعملون ) . قال الإمام ابن القيم : فإذا كان العبد مسئولاً
ومحاسباً على كل شيء حتى على سمعه وبصره وقلبه كما قال تعالى : ( إن السمع والبصر
والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً ) فهو حقيق أن يحاسب نفسه قبل أن يناقش الحساب
.
وقيام الليل عبادة تصل القلب بالله تعالى ، وتجعله
قادراً على التغلب على مغريات الحياة الفانية ، وعلى مجاهدة النفس في وقت هدأت
فيه الأصوات ، ونامت العيون وتقلب النّوام على الفرش . ولذا كان قيام الليل من
مقاييس العزيمة الصادقة ، وسمات النفوس الكبيرة ، وقد مدحهم الله وميزهم عن غيرهم
بقوله تعالى : ( أمّن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجوا
رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب
) .
وقيام الليل سنة مؤكدة حث النبي صلى الله عليه
وسلم على أدائها بقوله : " عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم
، ومقربة إلى ربكم ، ومكفرة للسيئات ، ومنهاة عن الإثم مطردة للداء عن الجسد
" رواه الترمذي وأحمد .
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال : " أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل " ، وقد حافظ النبي صلى
الله عليه وسلم على قيام الليل ، ولم يتركه سفراً ولا حضراً ، وقام صلى
الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر حتى
تفطّرت قدماه ، فقيل له في ذلك فقال : " أفلا أكون عبداً شكوراً "
متفق عليه .
وهكذا كان حال السلف الكرام عليه رحمة الله تعالى
؛ قال أبو الدرداء رضي الله عنه : صلوا ركعتين في ظلم الليل لظلمة القبور . وقال
أحمد بن حرب : عجبت لمن يعلم أن الجنة تزيّن فوقه ، والنار تضرم تحته ، كيف نام
بينهما . وكان عمر بن ذر إذا نظر إلى الليل قد أقبل قال : جاء الليل ، وللّيل
مهابة ، والله أحق أن يهاب ، ولذا قال الفضيل بن عياض : أدركت أقواماً يستحيون
من الله في سواد الليل من طول الهجعة إنما هو على الجنب فإذا تحرك قال : ليس
هذا لكِ ، قومي خذي حظك من الآخرة . وقال الحسن : ما نعلم عملاً أشد من
مكابدة الليل ، ونفقة المال ، فقيل له : ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوهاً
؟ قال : لأنهم خلو بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره .
وكان نساء السلف يجتهدن في قيام الليل مشمرات للطاعة
، فأين نساء هذه الأيام عن تلك الأعمال العظام . قال عروة بن الزبير أتيت عائشة
رضي الله عنها يوماً لأسلم عليها فوجدتها تصلي وتقرأ قوله تعالى : ( فمن الله
علينا ووقانا عذاب السموم ) ترددها وتبكي ، فانتظرتها فلما مللت من الانتظار
ذهبت إلى السوق لحاجتي ثم رجعت إلى عائشة فإذا هي على حالتها الأولى تردد هذه
الآية في صلاتها وتبكي . وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : قال لي جبريل : راجع حفصة فإنها صوامة قوامة . رواه
الحاكم ، صحيح الجامع 4227 . وقامت معاذة العدوية من التابعيات الصالحات
ليلة زفافها هي وزوجها صلة بن أشيم يصليان إلى الفجر ، ولما قتل زوجها وابنها
في أرض الجهاد ، كانت تحيي الليل كله صلاة وعبادة وتضرعاً ، وتنام بالنهار ،
وكانت إذا نعست في صلاتها بالليل قالت لنفسها : يا نفس النوم أمامك . وكانت حبيبة
العدوية إذا صلت العشاء ، قامت على سطح دارها وقد شدت عليها درعها وخمارها ،
ثم تقول : إلهي ، غارت النجوم ، ونامت العيون ، وغلقت الملوك أبوابها ، وبابك
مفتوح ، وخلا كل حبيب بحبيبه ، وهذا مقامي بين يديك ، ثم تقبل على صلاتها ومناجاتها
لربها إلى السحر ، فإذا جاء السحر قالت : اللهم هذا الليل قد أدبر ، وهذا النهار
قد أسفر ، فليت شعري هل قبلت مني ليلتي فأهني ، أم رددتها علي فأعزي . وقامت
عمرة زوج حبيب العجمي ذات ليلة تصلي من الليل ، وزوجها نائم ، فلما دنا السحر
، ولم يزل زوجها نائماً ، أيقظته وقالت له : قم يا سيدي ، فقد ذهب الليل ، وجاء
النهار ، وبين يديك طريق بعيد وزاد قليل ، وقوافل الصالحين قد سارت قدامنا ،
ونحن قد بقينا .
نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته
، وصلى الله على نبينا محمد .