لقاءُ بلا موعد ح32 بقلم الكاتب رجب الجوابرة

.لقاءٌ بلا موعد ح32 بقلم الكاتب رجب الجوابرة
ــــــــــــــــــــــــــــــ
لم يكن التعليم في المملكة الأردنية الهشمية متميزاً عن باقي الدول العربية .. منذ تأسيسها في أوائل العشرينيات من القرن العشرين .. ومنذ أن تسلم الملك عبد الله الأول ابن الحسين مقاليد الحكم .. ورث البلاد بعد زوال الحكم العثماني الذي أهمل البلاد وانتشر الجهل في الوطن العربي عامة .. وفي الأردن وفلسطين بشكل خاص .. شجع جلالة المغفور لهُ الملك عبد الله التعليم .. حيث أقيمت المدارس والمعاهد في عهدهِ .. وتسلم من بعدهِ جلالة الملك حسين ابن طلال مقاليد الحكم .. وبفضلهِ أصبح التعليم حتى الثانوية العامة مجاناً ... وعنما هاجر الفلسطينيون إلى الأردن والضفة الغربية .. أعلنت وحدة الضفتين ... واندمج الشعبان في وحدةٍ واحدةٍ متكاملة الحقوق ومتساوية في إطار المملكة الأردنية الهاشمية ...
وضع أبناء النكبة نصب أعينهم .. أن ينهلوا من التعليم قدر ما يستطيعون .. كان هذا هو همهم بعد أن أجبروا على تركِ ديارهم وممتلكاتهم .. ليكون سلاحاً في مواجهة أعدائهم .. لنيل حقوقهم المغتصبة واسترجاعها ...
ولهذ فإن الأغلبية منهم وصلوا إلى درجةٍ عظيمةٍ من التعليم .. هذا الأمر أذاب فوارق الطبقات في المجتمع الأردني الواحد .. كل الاحترام والتقدير لكل من استطاع أن يحصل على الشهادات العلمية حسب درجاتها بصرف النظر عن وضعهِ الاجتماعي .. أكان غنياً أم فقيراً ... وهذا ما جعل مهمة يحيَ تلقى قبولاً بسهولة .. وافق عطا الله تزويجهُ من ابنتهِ علياء .. نظراً لما وصل إليهِ من درجةٍ في تعليمهِ .. لم ينظر وحتى لم يسأل عن حالتهِ المادية أو الاجتماعية .. أو أصلهِ وفصلهِ ...

***********
التقى الحبيبان في صباح اليوم التالي ... علياء فرحة مستبشرة تعلو وجهها الابتسامة الساحرة .. قالت :
ــ صباح الخير يا يحيَ ...!!!
رد يحيَ بكل فرحٍ وسرور .. واثقاً أن هناك أخبار سارة :
ــ صباح النور يا أحلى علياء ..!! بشريني ..ّ! أرى وجهكِ ضاحكاً ..!
بكل غبطةٍ وسرور قالت :
ــ أبشر يا حبيبي .. استطعتُ أن آخذ موعداً لكَ مع أبي ..!
قال وهو يكاد أن يطيرَ فرحاً :
ــ لا أعرفُ كيف أعبرُ لكِ عن شكري ...!!!! متى سيكون اللقاء ..؟
أجابت علياء وهي مازالت تقفُ أمامه في حالةٍ من الفرح والسرور :
ــ إن شاء الله يوم الخميس القادم ..!
قال وهو يكاد يطير من الفرحة :
ــ سأعد الأيام بالدقائق والساعات ..!! حتى يحين الموعد ..!!!
جلسا على مقعدٍ تحت أشعة الشمس الدافئة .. ثم سألت علياء :
ــ والآن كيف ترى برنامج المستقبل ..؟ أنت الآن في السنة الثالثة ..! وأنا في السنة الأولى ...
أجاب بكل ثقة :
ــ لم يفتني هذا الأمر ..! واقتراحي أن نعلن الخطوبة نهاية هذا العام الدراسي ..! أما الزواج سيكون في نهاية العام القادم بعد تخرجي ..! ما رأيكِ ..؟
قالت علياء بجدية :
ــ أنت سستتخرج في العام القادم ..! وماذا عن دراستي أنا ..؟ لا بد أن أواصل مراحل التعليم إلى النهاية ..؟؟
ضحكَ ضحكةً فيها معنىً للثقة بالنفس وقال :
ــ وهل تعتقدين أنني لم أضع هذا الأمر في الحسبان وفي تصوري ..؟ إن شاء الله ستواصلين الدراسة حتى في حالة إتمام الزواج ..! لن يكون هناكَ أي عائق..!!
قالت وابتسامتها تضفي عليها سحر الأنوثة الهادئة :
ــ أهذا هو رأيك ..؟
قال وهو ينظر إليها نظرة المتلهف :
ــ وهل لديك رأيٌ آخر ..؟؟؟؟
قالت وهدوءها يغلب على طبعها :
ــ لا..!! إذا كان الأمر كذلك ..!!! لا بأس ..!
قال وهو لا يريد للوقت أن يمر بسرعة :
ــ على كل حال سأشرحُ كل هذهِ الأمور للوالد عند لقائي بهِ ..! وأتمنى أن يوافق على خطتنا هذهِ ..
قالت وهي تنظر في ساعتها :
ــ هذا أفضل..! أدركنا الوقت ..! والآن إلى اللقاء ..!!!
نهض مودعاً وقال :
ــ مع الف سلامة ..!!! وإلى اللقاء ..!!!
وانصرف الاثنان كلٌ منهما إلى كليتهِ ...
إن رجلاً مثل عطا الله لايمكن إلا أن يكون تقدمياً في أفكارهِ .. متمشياً مع ركب الحضارة .. ومن أنصار المرأة في منحها حريتها .. وهذا ما كان يطبقهُ عملياً مع زوجتهِ وابنتهِ الوحيدة .. هو دائماً يدعو للمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق .. ومنحها حرية الاختيار في كيفية رسم حياتها المستقبلية .. يجب أن تختار هي ما يناسبها ومن يناسبها ...
كان هذا هو رأي عطا الله في التعامل مع ابنتهِ علياء .. محبٌ لها عطوفٌ عليها منذ طفولتها .. لم يشعرها في يومٍ من الأيام أنهُ الأب المسيطر الذي لا يترك رأياً للفتاة أو للمرأة .. أو أنهُ الأب الذي لا يُخالف لهُ أمر .. ويجب أن تُنفذ أوامرهُ دون مناقشةٍ أو إبداء الرأي ..
معاملتهُ لزوجتهِ وابنتهِ كانت نموذجاً حياً من نماذج الحضارة والرقي نبذ العادات والتقاليد السيئة والبالية .. إنهُ إنسانٌ متعلم يفهم الحياة على طبيعتها .. دون أن يجامل أو ينافق .. تجلت أفكارهُ هذهِ التي آمن بها .. عندما تمت مقابلتهُ مع يحيَ .. رحبَ بهِ أجمل ترحيب .. بعد أن علمَ من ابنتهِ التي صارحتهُ بكل أمانةٍ وصدق بعلاقتها مع يحيَ .. وفهم منها أنها ترغب الارتباط بهِ .. وافق على جميع ما طرحهُ يحيَ من أفكار بشأن خطة المستقبل ...
مساء الخميس عادت علياء برفقة يحيَ إلى البيت ..واستقبلهُ عطا الله بكل حفاوةٍ وتكريم ... جلس الاثنان في غرفة الضيافة .. كان يحيَ مرتبكاً بعض الشيء .. محتاراً من أين يبدأ وكيف يبدأ الحديث مع عطا الله .. ليدخل في صلب الموضوع الذي جاء من أجلهِ تشجع وقال :
يتبع ــــــــــــــــــــــ إلى اللقاء في الحلقة التالية
مع تحيات رجب الجوابرة