وأخيراً وجدتُ نفسي ح5 ــ بقلم الكاتب رجب الجوابرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أضاء المصباح الكهربائي ....
الغرفة مؤثثة .. سرير للنوم .. وبعض المقاعد وخزانة فيها ملابس عسكرية ...
جلس على السرير وأجلسني إلى جانبهِ وقال :
ــ ما اسمك ..؟
بكيت لم أستطع إجابتهُ ..!! وأنا في حالةٍ من الرعب والخوف الشديد ..!!
ثم أضاف :
ــ هل أنتَ جائع ..؟
أجهشت بالبكاء ..!! لم أذق طعم الزاد في ذلك اليوم ..!! ومع ذلك لم أشعر بالجوع أو العطش من هول ما رأيت وما أصابني ..!!!
ثم قال :
ــ حسناً ...!! سأجلبُ لكَ الطعام والشراب ..!!! انتظر قليلاً ..!!!
غاب عني برهةً من الوقت ..!! تنفستُ فيها الصعداء .. عاد يحملُ في يدهِ قطعةً من الخبز الأبيض .. وبعض القطع من الجبنة الصفراء .. ووعاء فيهِ قليلُ من اللبن الحليب ..! وكأساً من الماء ...
وضعها أمامي هلى مائدةٍ كانت قريبةً مني ... وقال :
ــ أعرفُ أنكَ جائع ..! هذا هو طعامكَ ..! سأغيبُ عنك بعض الوقت .. ! أعودُ بعدها لأجدكَ قد أكلت ..!!!
تركني الرجل وغاب ...! وأنا في حيرةٍ من أمر هذا الانسان ..! ماذا يريد مني ..؟؟؟ وقد رأيت بأم عيني قتلهم للآدمي بدم بارد وكأنه حشرة يدوسونها بأقدامهم .. إلى هذا الحد تصل الآنسانية ..؟؟؟؟؟
لكنني شعرتُ ببعض الطمأنينة إلى جانب هذا الرجل ..! عاملني معاملةً لطيفةً ..! شعرتُ أنهُ يتوددُ إلي ..! يبتسمُ في وجهي ..! شيءٌ من الطيبة ..! جعلتني أطمئنُّ إليه ...
لم تغب عن عيني صورة المذبحة البشعة ..! التي تنفطرُ لمرآها القلوب تقشعرُّ لها الأبدان ..! الوحوش الكاسرة لاتجرؤ على مثل هذا العمل الوحشي البربري اللا أخلاقي واللا إنساني ...!!!!! صورة من أبشع الصور ..! منظر أولئك الذين قتلهم بشرٌ لا تعرف قلوبهم الرحمة ..!! ولا يتسربُ إلى نفوسهم أدنى معاني الانسانية ...!!! إنسانٌ يقتل أخاهُ الانسان ..! لا لشيء أو لذنبٍ اقترفهُ ...! بل لمجرد أنهُ إنسان يريد العيش بأمان ...!!!
هؤلاء اليهود لم يأخذو درساً مما أصابهم .... !! وهم يعلمون جيداً أنهم وقعوا فريسةً لقهر النازية ..! وجرت مذابح في صفوفهم .. إنهم يعرفون جيداً معسكرات الإبادة .. لم تمضِ بضع سنواتٍ عليها حتى ارتكبوا في شعبنا ما يشبهها ..! ولا زال قسمٌ ممن نجوا من هذه المذابح يروون لأولادهم وأحفادهم روايات عن أبشع صور القهر النازي ..!! استعملوا نفس الاسلوب مع شعبنا الأعزل ...!!! سلبوا أرضاً ليست ملكهم ..! استولوا على ممتلكات غيرهم ..! استعملوا أبشع صور العنصرية ضد شعبنا المسالم ..! الذي لا حول لهُ ولا قوة ...!!! ماأبشع أن يظلم الانسان أخاه الانسان ....!!!!!!
***********
أنظر حولي في جميع الاتجاهات .. لا أرى سوى جدران الغرفة التي أغلقها وذهب .. وبعض الملابس المعلقة .. شعرتُ بدورانٍ في رأسي .. ليس لي نفسٌ في الطعام ... لم أمدَّ يدي إلى الزاد الذي أحضره من أجلي ...
تمددتُ على السرير بعد أخذتُ جرعة ماء .. شعرتُ بالتعب .. والنعاسُ غلبني النوم ... رحتُ في سباتٍ عميق ....
نمتُ والقلبُ حزين ..! والنفس تشعرُ بالمهانة ..! والتساؤلات تتزاحم في رأسي ...!!!!!
ما بال هذا الرجل اختارني من بين الجميع ..!! لينقذني من موتٍ محقق ..؟؟؟
لماذا لم يتركني ألحقُ بأبناء قريتي .؟ لماذا أبقاني من دونهم على قيد الحياة ..؟؟؟؟؟ ما السر في ذلك ...؟؟
لا أدري كم استغرقت غفوتي ..! لم أصحُ إلا على يدٍ تلمسني وتنبهني من سباتي ...
أفقتُ مذعوراً منزعجاً صائحاً بأعلى صوتي :
ــ أبي ..!!! أين أبي ..؟؟؟ أين أمي ..؟؟؟ أريد أمييييييييييييييييييييييييييي ...!!
أخذني إلى حضنهِ وقبلني .. !! وقال :
ــ إهدأ حبيبي ..!!!! إهدأ ...!!!
صحتُ مكررأ :
ــ أريدُ أميييييييييييي..!!! أريد أمييييييييييي ..!!!
يواسيني ويقول :
ــ إهدأ ...!! سآخذكَ إلى أمك ..!!! اصبر ...!!
اطمأنيتُ بعض الشيء وهدأت سريرتي بعد أن عاملني ذلك الرجل بلطفٍ وحنان ...
شعرتُ بشيءٍ من الأمان إلى جانبهِ .. خصوصاً بعد أن احتضنني وقبلني ...!!!
علمتُ بعدها أنهُ ضايطٌ برتبةٍ عالية في الجيش الاسرائيلي يعرف بعض الألفاظ من اللغة العربية ... ينطقها بصعوبة ...
أمسكَ يدي .. نزلنا إلى أسفل العمارة .. خرجنا إلى الشارع حيث يقف الجيب في نفس موضعهِ أمام باب العمارة ...
رفعني بين يديه .. أجلسني على المقعد في مكاني السابق ..ثم اعتلى كرسي القيادة ... تحركَ بسرعة الريح إلى حيث لا أعلم ...
استغرق مشوارنا وقتاً ليس بالقليل .. حتى وصلنا إلى منطقة تعجُّ بالأضواء .. الشوارع كلها مضاءة .. وكأن الليل لايعرف طريقهُ إلى تلك المنطقة العامرة بالبنايات العالية .. وألأسواق مليئة بالبشر ...
علمتُ بعدها أن هذهِ هي مدينةُ تل أبيب ...
ابتعد بنا الجيب عن الأضواء الساطعة وهو يجري بسرعة فائقة إلى أن وصلنا منزلاً من طابقٍ واحد يكاد يكون منعزلاً عن المدينة .. لكنهُ ليس بعيداً .
يتبع ـــــــــــــــــــــ إلى اللقاء في الحلقة التالية
مع تحيات رجب الجوابرة