وأخيراً وجدتُ نفسي ح7 ــ بقلم الكاتب رجب الدجوابرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بضعة شهور مرت .. والفتُ عليهما وكأنني ولدتُ بينهما يعاملاني وكأنني ولدٌ حقيقي لهما ..
لم يتركا وسيلةً من وسائل الراحة والتسلية إلا وجلباها لي .. حديقة المنزل .. أصبحت مليئة بما يحتاجهُ الأطفال في مثل سني .. الأراجيح .. كرة القدم .. طاولة تنس .. مزلاج خاص بالأطفال ..
الأم الجديدة بذلت جهدها لتعلمني اللغة العبرية .. علمتني أسماء الأشياء كلها .. علمتني كبف أجامل وكيف أتحدثُ مع غيري بكلمات الترحيب والمجاملة ..
استطعتُ خلال هذه البضعة شهور أن أتعلم لغتهما .. وأتكلم العبرية بطلاقة ...لكن ....!!!!!! صوتُ أبي يؤذن للصلاة يرن في أذني بين الحين الآخر .. لم أنسَ صورتهُ .. ملامح وجههِ .. عمامتهُ البيضاء .. قفطانهُ الأسود .. لم أنسَ سور القرآن الكريم التي علمني حفظها غيباً عن ظهر قلب أخلو بنفسي لأقرأ الفاتحة .. والصور القصيرة التي حفظتها .. والأناشيد التي كنتُ ألقيها أمامهُ وأمام أمي ..
عشتُ في وضعي الجديد الطفل المدلل ..! طلباتي مستجابة .. أنواعاً شتى من اللعب أصبحت ملكي ..
ألحقوني بالمدرسة الابتدائية .. سيارة تأخذني في الصباح .. وتعيدني في المساء ....
لم يبق اسمي حسن كما هو .. منحوني اسماً جديداً هو (يوشع) أما اسم الأب هو (إيشاي) أما الأم فكان اسمها (شوشانا) ...
***********
دخلت المدرسة ..! وهي تختلف كل الاختلاف عن مدرسة القرية في كل شيء .. الأقسام اختلفت فيها ذكور وفيها إناث .. وهذا غير موجود عندنا الكتب هنا تختلف عن كتبنا .. كتاب القراءة راس ــ روس مشينا فيهِ دروساً عديدة قبل أن يحدث ما حدث ...
الوجوه هنا تختلف .. واللغة بعيدة جداً عن لغتنا .. لكنني وبمرور الوقت تعودتُ عليها .. أحفظ دروسي .. أستمع إلى شرح المعلمة بكل انتباه ...
تجلس بجانبي بنت وهبها الله من الجمال أحسنهُ .. وهي في مثل عمري والفتُ عليها وألفتني .. نجلس معاً .. نلعب معاً .. نذاكر دروسنا مع بعضنا .. تنتظرني إذا تأخرت .. أنتظرها إذا تأخرت .. أصبحنا كالتوأمين .. لا نفترق إلا حين عودتنا إلى البيت .. نخرج إلى الملعب في أوقات الفراغ تتشابك الأيدي نجلس معاً في إحدى زوايا الملعب أو نركض ..أعطيها مما معي من حلوى أو مأكولات .. تبادلني نفس الشيء .. إنها زميلتي (إستر)
تمضي الأيام .. نكبر ويكبر الحب معنا .. وضعٌ جديدٌ جعلني أتمسكُ بالحياة .. بعد أن دب اليأس في نفسي وشارفتُ على الهلاك ..
ها أنا أعود إلى طبيعتي المرحة وتشوقي إلى كل ما هو جميل ..
شوشانا منحتني من العطف والحنان مالم أكن أتوقعهُ .. تأخذني في حضنها .. أنام معها في فراشها . في حالة غياب إيشاي .. الذي أعطاني هو أيضاً من العطف والمحبة كما لو كنتُ ابنه من صلبهِ
هذا الوضع خلق عندي انطباعاً غير الذي رأيتهُ في ساحة المدرسة .. اندمجتُ في حياتي الجديدة .. فلا تمر تلك الذكرى في خاطري إلا القليل .. وعندما تمر في مخيلتي .. أحاول إزاحتها من خاطري .. ولا أريدُ أن أذكر أو أتذكر شيئاً منها .. ذكراها تؤرقني وتؤلمني .. تجعلني في حالةٍ أتصرف خلالها كالمجانين .. أو يصيبني نوعٌ من الذهول والشرود .. أحاولُ أن أمحو من ذاكرتي تلك المناظر المؤلمة والقاسية ...
أنا الآن أعيشُ سعيداً بين الأم والأب الجديدين .. ومع صاحبتي في المدرسة .. التي اندمجت معي واندمجتُ معها .. وسط حياةٍ كلها أملٌ في المستقبل .. ترعرعت طفولتي بين هذين الزوجين .. منحاني كل وسائل الراحة والرفاهية .. أصبحتُ الشغل الشاغل لهما ... يأخذاني معهما في نزهاتهما وسهراتهما .. مرافقٌ لهما أينما ذهبا .. فأنا في نظر غيرهما ابنهما الحقيقي هكذا يفهم كل من تعرفا عليه ..سُجلتُ في الأحوال المدنية على أنني من إنتاج حياتهما الزوجية .. مع أنهما لم ينجبا ولن ينجبا ... هناك إعاقة من أحدهما ..
عشتُ بينهما حتى بلغتُ سن المراهقة .. أحسستُ أنهُ من الضروري الابتعاد عن فراشهما .. طلبتُ من شوشانا أن تكون لي غرفةً خاصةً بي .. وبذلك ابتعدتُ عنهما .. وأصبحت لي غرفةً مستقلةً مجهزةً بجميع ما يلزمني من أثاث ..
انتميتُ إلى أحد النوادي الرياضية .. أمارس فيها الرياضة البدنية .. وكانت فرحتي عظيمة عندما اقترحتُ على إستر الانتماء إلى نفس النادي لنقضي معاً أوقاتاً جميلة ..
نما جسمي والتفت عضلاتي .. وكأنني بطلٌ من أبطال الملاكمة أو المصارعة ...
صادقتُ عدداً من الشبان اليهود ... توطدت علاقتي بهم .. جميعهم يعرفون أنني يهودي مثلهم .. لا أحد يعرف حقيقتي سوى من رباني واحتضنني .. حتى أنا ...!!! كدتُ أنسى أصلي أنني عربيٌ مسلم .. لولا أنني ما زلتُ محافظاً على لغتي الأصلية .. وصوتُ أذان أبي يرنُّ في أذني .. بين الحين والآخر ...
في معظم الأيام أعود إلى البيت .. بعد قضاء سهراتي مع أصدقائي وصديقاتي .. شعرتُ أن شوشانا تغارُ عليّ .. لا تريدني أن أبني أي علاقة مع أي فتاة .. عدة مرات أعود وبرفقتي صديقتي إستر .. إلا أنها بذكائها ولباقتها تستطيع التخلص منها وطردها .. فهي مراراً تؤنبني عندما أتأخر في السهر خارج البيت ... وتنصحني دائماً أن أبتعد عن الجنس الآخر ..!!!!!
يتبع ـــــــــــــــــــــــ إلى اللقاء في الحلقة التالية
مع تحيات رجب الجوابرة